لا أعرف كيف أصوغ كلماتى فى هذه اللحظة القاسية، فالمعانى تفر منى برغم أننى أحاول التركيز، وليس بيدىّ حيلة إزاء ذلك، حيث إن هناك لحظات تتراقص فيها المعانى أمام عينى الإنسان، فإذا حاول أن يمسكها وجدها سرابا، لأن اللحظة ذاتها أعمق من أن تعبر عنها أى كلمات.لقد مضت أيام طويلة هى أطول من صمت قلبى الجريح، لم أفض خلالها لمخلوق بعذابي، ولا بالخنجر الذى يمزق قلبى وكبريائي، وشقاء الدنيا كلها يحيط بي، واستعصى عليّ النوم نتيجة الصدمة العنيفة الغادرة، وأبتلع مرارتى وحدي، وأدعو الله أن يمنحنى القدرة على الصمود، وتضميد الجرح الغائر والطعنة القاسية وأستطيع أن أعفو وأسامح من خانني، فلقد تزوجت منذ خمسة وعشرين عاما من رجل أحببته منذ الطفولة، وكبر حبنا فى أيام الدراسة، ثم أقمنا أسرتنا الصغيرة، وعشنا حياة جميلة، ولكن إذا بى أكتشف أنه يخونني، ويطعننى فى أنوثتي، وقد سامحته كثيرا، وأدينا العمرة وزرنا الحرمين الشريفين أكثر من مرة، وللأسف الشديد صار هو وضميره كأهل الكهف، ويرفض أن يصحو من غفوته!
أعلم ياسيدى أنك ستقول لي: إنه «روتين الحياة». أو أنها «أزمة منتصف العمر»، فأقول لك: لا إن الأمر ليس كذلك، فحياتى مع زوجى خالية من أى روتين، والعائلة كلها تشهد بذلك، ففى كل عام نحتفل بعيد زواجنا فى مكان مختلف عن العام السابق عليه، ولم ينس زوجى يوم ميلادى أبدا، ولا الاحتفال سنويا بأول لقاءاتنا، لكن عشقه النساء هو الذى ينغص عليّ حياتي، وفى كل مرة أحدثه عن معصيته لله، وأننى لم أقصر فى حقه، يقسم بالله أنه لم يرتكب الفاحشة، ولم يحب غيري، لكن قلبى تعب، ونفسى تحطمت، ولا أرى تفسيرا لاهتمامه الزائد بى الذى تحسدنى عليه الأخريات، إلا محاولة منه لإرضاء ضميره والتكفير عن ذنبه تجاه إنسانيتى وكرامتى التى وضعتها تحت قدميه، وأسأل نفسى أحيانا، لماذا أنا التى أبقى عليه؟!
فى البداية كنت أخاف على أطفالي، والآن أخشى من ضياع سمعتهم، وأشعر فى بعض الأحيان أن استمرارى معه ليس حبا ولا عداوة، وإنما مرده شعور غريب لا أستطيع تحديده، إذ ينتابنى تجاهه إحساس بالأمومة، ويصيبنى الرعب من أنه قد يهدم نفسه وبيته وأولاده الذين يرتبطون به بشدة، ويثقون فيه ثقة لا حدود لها، ولا يعرفون بالطبع شيئا عن نزواته، وكم قلت له: إنك زوجى وأبى وأخى وابني، وجهادى وعرقى ومستقبلي، وكل رصيدى فى الحياة الذى يسعدني، لكنه ينكر ما يفعله ويمضى فيه ثم ألاحظ ندمه دون أن يأخذ خطوة إيجابية لعدم تكراره.
وأقول لك بشيء من التفصيل إننى لم أعتد البحث وراءه أو التجسس عليه، لكن المصادفة وحدها هى التى قادتنى إلى رسائل تبعث بها إليه سيدة متزوجة وتقول له فيها: «ليتنى عرفتك من زمان». وتبثه كلمات الغرام على هاتفه المحمول ليلا ونهارا!.. تصور ياسيدى أن هذه السيدة الخائنة لزوجها وأولادها تتمنى لو كانت قد تزوجت ممن تخون زوجها وأبا أولادها معه، ونسيت ما قدمه لها الرجل الذى تحمل اسمه، والذى ينفق عليها، ويشترى لها ما تريده، ولم يحرمها من شيء حتى «الموبايل» الذى تهاتف به زوجي!
لقد اتصلت بها، وأخبرتها بأننى عرفت كل شيء عنها، وعن علاقتها الشائنة مع رجل متزوج وله بيت وزوجة وأولاد، فبكت وقالت لي: «لاتخربى بيتي، أنا أريد زوجى وأولادي»، وانتهت المكالمة، وسألت نفسي: إذا كانت تفضل بيتها وحياتها، فماذا تريد إذن من زوجي؟.. وأعدت الاتصال بها مرة أخرى بعد أن عرفت كل شيء عنها، وتوصلت إلى زوجها وأخبرتها بذلك، فكان ردها الصادم: «بلاش تفتشى ورائي، وفتشى فى نفسك علشان تعرفى زوجك بيعمل معاك كده ليه»!!.. نعم هذا هو رد الخائنة التى تكلمت ببجاحة بعد أن بكت فى المرة الأولي، وواجهت زوجى بأمر هذه السيدة، وبما قالته لى من كلمات «البجاحة» التى ليس لها حد، والتى تؤكد أن علاقتهما وصلت إلى حد الخطيئة، فكان رده أننى حبيبته و«عشيقته»، ولا يرى منى أى تقصير، بل التقصير منه هو! وكثيرا ما أصحو من نومي، فأجده قد دفن رأسه تحت قدمى يقبلها ويمسح دموعه فى ملابسي!
وبصراحة فإننى لم أعد أشعر بالأمان معه، فلقد تكسّر شيء كبير بيننا، ومع ذلك أخاف عليه من «يوم الندم» الذى تكتب عنه دائما فى ردودك على أمثال زوجى بقولك: «فيوم الندم قريب، وحينئذ سوف يعض النواجذ على ما صنع بنفسه، ولكن بعد أن يكون قد فات الأوان»، وأرجو أن يتعلم هذا الدرس ويستوعبه الآن، وأتمنى أن أسامحه على ما فعله بقلبي، فهو الجرح والسكين معا، والذى أفقدنى الثقة فى نفسي، وأدعو الله أن يغفر له ذنب وإثم «تخبيب» امرأة على زوجها، كما جاء فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس منا من خبَّب امرأة على زوجها».
وإنى أسألك: هل يأخذ الله الأولاد بذنب أبيهم الخائن، وماذا تقول عن زوجى وأمثاله؟ وأشكرك على سعة صدرك، فلقد كان ضروريا أن أستشيرك فى أمرنا، لأننى لا أستطيع أن أبوح بمكنون نفسى لأحد ولم أتعود أن أشكو زوجي، ولا أن أشوه صورته أمام الآخرين، وكان مبعث رسالتى إليك، هو أن الانسان يستطيع أن يعيش بعض الوقت بلا طعام ولا شراب، ولا يمكنه أن يعيش إلى ما لا نهاية دون فضفضة عما يجيش به صدره، وحتى الكلمات مهما بلغت درجة فصاحتها فإنها لاتعبر عما فى حلقى من مرارة وحزن، وقد فوضت أمرى إلى الله.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لن ينفعك القلق يا سيدتي، بل سيكون مردوده عليك مزيدا من الاضطراب والتوتر، وسوف تضلين الطريق الصحيح الذى يسير بك نحو الاستقرار وراحة البال، فلقد بذلت كل ما فى وسعك مع زوجك، ومع من تأكدت أنه على علاقة بها، لكنه أقسم أنه لم يرتكب الخطيئة وأن حبه لك هو الأول والأخير، فلا تجهدى نفسك فى انتزاع اعتراف سيجر عليك مزيدا من المتاعب، ولن يجدى شيئا فى إصلاح أحواله، وأرجو أن تستفيدى من تجارب الآخرين الذين تعبوا وشقوا من أجل تغيير واقعهم المرير، فلم يفلحوا، وأيقنوا أنه لا سبيل، ولا راحة لهم إلا العمل، وفى ذلك يقول الشاعر الذى عاش حالا مماثلة:
فعشت ولا أبالى بالرزايا
لأنى ما انتفعت بأن أبالى
فدعى زوجك لخالقه، ويكفيك إرضاؤك ربك، وأنك لم تقصرى فى حقه، ولم ير منك إلا طيبا، أما خوفه من أن ينعكس سلوكه على أبنائه، أو أن يأخذهم الله بذنبه، فإنه سبحانه وتعالى يقول «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، فكل إنسان يحاسب على صنيعه، ولكل امرئ شأن يغنيه، هكذا أخبرنا الله فى كتابه الكريم، وهو ما يدعونا إلى أن نضع الأمور فى نصابها الصحيح، ومن هنا أقول لك: إياك وحالة القلق التى تعتريك من التفكير فيما لا حيلة لك فيه، فمرده عليك خطير صحيا ونفسيا، وعلاج مشكلتك هذه، أو أى مشكلات أخرى تواجهك، يكون بالهدوء وسعة البال، وليس بالتوتر والانفعال، وأتذكر كلمة للفيلسوف الفرنسى مونتين، وقد حكم مدينة «بوردو» الفرنسية، إذ قال لأهل المدينة «أرغب فى معالجة مشكلاتكم بيدي، وليس بكبدى ورئتي»، ومعناه أن التفكير العقلانى وحده هو الذى يقود الى حلول ناجحة.
وعندما أتناول مشكلتك من منظور عام، أجد أن هناك أسبابا تحيط بالرجل الذى يلجأ إلى إقامة علاقة غير شرعية مع أخريات، وتسهل له طريق الخيانة التى يحرمها الدين والشرع، ومنها أن يغرم بإنسانة أخري، حتى وإن كان يجد سعادة مع زوجته نتيجة حالة نفسية طارئة عليه، أو أن زوجته لا توافقه على بعض ممارساته فيجدها لدى غيرها، ويساعد على ذلك «الاختلاط الفج» الذى يعيشه الرجال والنساء فى أماكن متعددة، وهناك أيضا أسباب اجتماعية مثل رفض المجتمع فكرة «الزوجة الثانية» والتفكك الأسرى وغياب أحد الزوجين، وعدم التكافؤ، وانعدام الثقة بينهما، وفارق السن، ومن الأسباب الخاصة بالزوجة، والتى تدفع زوجها الى خيانتها، العشرة الباهتة، وعدم احترام رغباته وميوله، أو أنها تخشى من العلاقة الزوجية أو زاهدة فيها، فالخيانة الزوجية تأتى فى معظم الأحيان نتيجة عدم الإشباع العاطفى والجسدي، والإحساس بالنقص فى أشياء كثيرة، وقلة الاهتمام بالطرف الآخر وتجاهل مشاعره، وحين تبدأ المعاناة يحاول «الرجل أو المرأة» لفت نظر الطرف الآخر إليه، وتوضيح متطلباته، ولما ييأس من الوصول الى حل، يلجأ كلاهما الى البحث عن البديل، فيبحث الرجل عمن تلبى له احتياجاته، الى أن يجد امرأة أخرى يشعر معها بالاهتمام، والعكس صحيح بالنسبة للمرأة التى ينشغل زوجها عنها لأى سبب، إذ تشعر بالأسى والضياع، فتتطلع إلى من يلبى لها رغباتها، ولا حل لهذه «الفاجعة الأخلاقية» إلا التمسك بالتعاليم الدينية والتربية الصالحة، فهى الأساس، مع ضرورة وجود تفاهم أسرى ومساحة للحوار، وأن يكون قرار الزواج نابعا عن حب واحترام بين الطرفين، وحل مشكلاتهما بوضوح وصراحة أولا بأول، وحينها سوف تختفى هذه الكارثة من حياتهما.
ولعل هذه السيدة التى تربطها علاقة آثمة بزوجك تكون قد راجعت نفسها، وأيقنت أنها بخداعها زوجها، ومعرفتك علاقتها بزوجك، تلعب بالنار، وأن انكشاف أمرها على الملأ بات وشيكا، فتبتعد عنه، وتصلح علاقتها بزوجها الذى تحبه ويحبها، وتخشى الوقيعة بينهما، ولعل زوجك يصارحك بما يعانيه من نقص لديك، فتصلان معا إلى حل يريحكما ويعيد علاقتكما إلى سابق عهدها، وعليك أن تكونى حكيمة فى تعاملك معه، فرد فعلك السريع سوف تترتب عليه نتائج عكسية، ولذلك يجب أن تحافظى على «حاجز الخوف والحياء»، الذى يمنعه من البوح بخيانته لك، وسوف يستحى من معاملتك الطيبة له، ويخجل من نفسه، وشيئا فشيئا سوف يتوقف عن هذه العلاقة بوازع من تأنيب الضمير، علاوة على الوازع الديني، بدليل أدائكما معا العمرة وزيارة الحرمين الشريفين أكثر من مرة.
ولا أستبعد أنه يعانى حالة نفسية صعبة، وأنه بداخله لا يريد الخطأ، ولكنه مدفوع إليه نتيجة خلل ما فى حياته لم يفصح عنه، إذ أنك عندما تستيقظين من نومك، تجدينه يقبل قدميك، وقد بللت دموعه الفراش فيجفف عينيه فى ملابسك.. نعم هذا الفعل وحده يؤكد أن هناك شيئا ما خافيا وأنه يريدك أنت وليست تلك المرأة أو غيرها.. وأرجو أن يصارحك بما تضيق به نفسه، وأن تغفرى له زلاته، وترسمان معا طريق النجاة من البئر السحيقة التى انزلقت اليها قدماه، فيتعافى من حالته، ويعود إليك زوجا وحبيبا، ورفيق العمر لك وحدك الى الأبد، والله المستعان.