أكتب إليكم، وعيناى تملؤهما الدموع، فلقد كرهت نفسى، وكرهت حياتى، ولا أرى لى أى فائدة فى الدنيا بعد أن فشلت فى كل شىء.. وباختصار أقول: إننى فتاة أقترب من سن الثمانية عشر وفقا لبيانات بطاقتى الشخصية. لكنى لا أرانى تعديت أربع سنوات، إذ مازلت أتبول لا إراديا فى الليل، ولم أكن أعلم بمشكلتى إلى أن تدهورت حالتى، وأصبحت عضلة عنق المثانة ضعيفة للغاية، وقد أدركت ذلك من تلقاء نفسى. وقد أهدانى بريد الجمعة قسطا وافرا من الأمل بأننى لست وحدى المصابة بهذا المرض، وأن هناك من يعانون منه مثلى عندما قرأت الرسالة التى نشرتموها فى 6 سبتمبر 2013 بعنوان «الأزمة المستعصية» وتعليقكم على كاتبها الطبيب الذى وصفتموه بالشجاعة والصلابة فى مواجهة مرضه، وفكرت أن أواجه حالتى بنفس الأسلوب الذى إنتهجه هذا الطبيب، وأنا فى مقتبل الثانوية العامة لكن عزيمتى لم تدم طويلا.
لقد تركنى والداى وهما حاصلان على شهادات عليا ومستواهما المادى مرتفع، أعانى المرض، وانشغلا بعملهما ولم يسألا عنى فى صغرى. تركانى أحل مشكلتى بنفسى، وأوهمانى الحل حزام الحل فى ايدى، لمجرد أن بعض الليالى كانت تمر دون أن أتبول ليلا لا إراديا ولا أدرى ما العلم الذى درساه، وقد أهملانى إلى أن وصلت الى هذه الحال.. واليوم وبعد أن صرت «آنسة» يلومانى، فلقد أدركا أننى لن أتزوج بهذا المرض، ويعرضان علىّ الذهاب إلى المستشفى لأتلقى فيه العلاج، وكل يوم يعاتبنى أبى لرفضى العرض على الطبيب. ألا يعلم ما فى سنى من خطورة؟ ولماذا لم أدرك ذلك عندما كنت صغيرة، ولا حيلة لى فى نفسى؟ إن ما شجعنى على أن أبعث برسالتى إليك الآن هو ما كتبته إليك إحدى المعلمات الجمعة الماضي بعنوان «وداعا للأحزان» التى تعرض فيها استعدادها الزواج من الطبيب المصاب بنفس مرضى، وقد حملت رسالتها كلمات وعبارات جعلتنى استجمع قوتى وأبعث إليك بهذه الرسالة، لكنى لم أرسل معها اسمى ولا عنوانى ولا رقما لى.. كل ما تعرفه عنى هو عنوان بريد الكترونى باسم مستعار.. فمازلت أخجل من نفسى، ومن حالتى التى طالما عانيت منها! أما ما قالته المعلمة الفاضلة فى شأن أن الطب فى تقدم مستمر، فانه حتى لو كان الأمر كذلك، كيف لمثلى أن تذهب إلى طبيب معالج، وكيف يعنى أن ترفع فى وجهه ليكشف علىّ أو حتى لطبيبة فإن الخجل هو الخجل! إننى لا أشغل بالى بالزواج ولست مهمومة به.. فقط أريد علاجا يزيل غمى.. أعلم أن الأمر صعب، فكيف أريد علاجا ولا أريد مستشفى، وكيف أرغب فى الحصول على الدواء، وأرفض زيارة الطبيب؟.. فهل أجد من يفيدنى فى حالتى دون الحاجة إلى عيون خجولة؟!
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ما مضى فات، فلا تلتفتى إليه، وركزى فيما أنت فيه الآن، فالمشكلة الصحية التى تعانيها أبسط من مشكلات كثيرة، ومنها أمراض نسائية تتطلب العرض على الطبيب، وهناك أجهزة حديثة للكشف الطبى، يستخدمها الطبيب أو الطبيبة دون النظر المباشر إلى جسم المريض، وما أكثر النساء اللاتى يتلقين العلاج لدى الأطباء الرجال فى حضور أزواجهن أو أمهاتهن بلا خجل مادامت هناك ضرورة طبية لذلك. أما من ناحية الحرج من الطبيب فإن علاقتك به بمجرد أن ينصحك ويكتب لك العلاج. ولن تكون هناك فرصة لتكرار لقائك به حتى تخجلى منه، وفى كل الأحوال لايوجد طبيب يفشى أسرار مرضاه، فهونى على نفسك، ولا تكونى أسيرة لهذه الأفكار التى تزيدك هما على همك، وثقى بربك انه سيرشدك إلى مافيه مصلحتك وشفائك.. كل ماهو مطلوب منك ألا تترددى فى زيارة الطبيب وستجدين أن مشكلتك بسيطة وأن العلاج كان ينبغى أن تتعاطيه منذ سنوات طويلة لولا الاهمال الذى تعرضت له بانشغال أبويك عنك، وكل أمل فى انك سوف تسعدين بحياتك، وتصبحين عروسا مثل لى العرائس، ولا داعى لهذه النظرة التشاؤمية التى إن وقعت أسيرة لها فسوف تؤدى بك إلى ما لا تحمد عقباه، ولتعلمى انه لا يأس مع الحياة لكل صاحب عزيمة يملك القدرة على مواجهة الشدائد والمحن بصبر وايمان.