أسبوع قضيناه نحن المصريين , نتنفس شهيقا ينقطع عنه الزفير , نتنفس انفاسا يحبسها خوف على مصير مصرنا الغالية , , جراء تلاحق الأحداث و سخونتها فيما حدث من تداعيات بين الثائرين في ميدان التحرير من ناحية , و إدارة البلاد و وزارة الداخلية ممثلة في الشرطة من ناحية أخرى منذ يوم السبت الماضي 19 نوفمبر 2011م و الى الان.
و لقد أفرط الطرفان في التعامل فيما بينهما , مما أدى إلى فزع و هلع بيننا نحن المصريين الذين نتابع عن كثب دون أن نقف على الأسباب الحقيقية للأحداث و تفاصيلها الموثقة.
على أية حال , , فقد كان لهدير الأحداث بين الفريقين صوت و ضجيج , , حاولت أن استمع إليه بين ثنايا الوقائع المتسارعة حتى أتفهم موقع الحقيقة من الأحداث و ما يمكن أن نفهمه منها.
و وجدتني ارصد تلك الحقائق مؤمنا بها كل إيمان , حيث قال ميدان التحرير في أحداثه الأخيرة منذ السبت الماضي :
فلقد قال: إن تلك الثورة ماضية لن تهدأ و لن تنام حتى تتحقق مطالبها المشروعة من إعلاء كرامة المصري و تحقيق العدالة الاجتماعية و محاسبة المفسدين من النظام السابق يتزامن كل هذا مع الأمن و مع الاقتصاد لا فاصل بينهم و لا تفضيل.
و قال : إن الحكم في مصر لن يكون عليه وصي لا من القوات المسلحة " رغم اعتزازنا بها " و لا من غيرها , , فلقد وعى الشعب و لن ينكص على عقبيه مرة أخرى.
و قال : إن إرادة الشعب متمثلة في مطالب الثورة هي استمرار حياة لتلك الثورة , فهو شعب ينطلق منجدا لشباب الثورة حين يطلبه مستنجدا , كما أن شباب تلك الثورة هم حراسها الحقيقيين.
و قال : إن الطريق الوحيد للنهوض بتلك الثورة و انطلاقتها هو وحدة الأطياف السياسية المختلفة على الأهداف الكبرى , حتى لو اختلفوا في تفاصيل و سبل و مسالك , فحين حاد الطريق شيئا ما رفض الشباب الثائر في التحرير أي منصات تبث الفرقة أو تحدد التصنيف.
و قال : إن على من يتولى إدارة مصر العظيمة بأبنائها عليه أن يكون على تواصل مع شعب مصر , فيستمع لهم و يسمعهم عن خطواته و يبحث عن مطالبهم حتى يستطيع أن ينجح في إدارته للبلاد.
و قال : إن عمل الداخلية لا يجب ان يسبق النيابة و حكم القضاء , ليأتي دور الشرطة في تنفيذ للاحكام و ليس تنفيذ لعقوبة ليس لها حكم قضائي حتى لو كان على " بلطجي ", و على الاجهزة الشرطية ان تقبض فقط على الخارجين لتقديمهم للنيابات و ليس لتنفيذ حكم تراه الشرطة.
و قال : إن البطء في الاستجابة لمطالب الثورة و الذي قد يكون مبررا في ضيق الوقت و كثرة الأحداث المتلاحقة طيلة العشرة أشهر السابقة, إلا انه لابد و أن يكون فيه صدق ليصل إلى الناس إن كان صادقا.
و قال : إن نتوءا يخرج من رحم الميدان يحاول التعبير بالأفعال لا بالرأي وحسب , مثل النتوء الذي خرج من الميدان إلى شارع محمد محمود ليضر بالأبنية الحكومية في وزارة الداخلية لهو أمر نشاز على إيقاع الثورة و خطواتها , و نرفضه لأنه يخرج عن دائرة التعبير بالرأي , ليكون فعل و ليس رأي.
و قال : إن تعاملا عنيفا من الشرطة تجاه معتصمين أو معبرين عن رأيهم لن يجدي كثيرا , و لن يصل بالأمر إلا تعقيدا أكبر , و هو الذي لن يغفره شعب مصر لجهاز الشرطة.
و قال : إن أخبارا تنتشر هنا و هناك لا يجب أن ننفعل بها و ننساق وراءها إلا بعد التثبت و التوثيق للمعلومة و الخبر , و ما أكثر الأخبار المغلوطة و المعلومات المشوشة المنتشرة عبر الشبكة المعلوماتية و القنوات.
و قال : إن رفض الآخر لمجرد أنه يختلف مع من في التحرير لهو أمر يرجع بنقاء الثورة و بياض سريرتها عقودا من الزمان , فليس معنى أن احدهم يختلف في الطرح مع من في التحرير أن نصفه بأنه خائن أو قوى ثورة مضادة أو فلول.
و قال : إن على من بميدان التحرير أن يتفهموا بضرورة تقصي الحقائق قبل الانفعال بها و بناء ردود فعل لها , و قد يكون الأمر به أطراف أخرى تزيد الحنق بين الطرفين , و حتى لا يصيبوا أقواما بسوء فيصبح من بالتحرير على أفعالهم نادمين.
تطبيقا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات
في الحقيقة إن ما قاله ميدان التحرير بأحداثه الجسام منذ يوم السبت الماضي , لهي عبرٌ يجب أن نتوقف عندها كثيرا , و أن نلتفت إلى مثلها مليا , حتى لا نقع في أخطائنا ثانيا , فنتجرع الآم تكرار الخطأ , وهي التي تكوي النفوس و العقول أكثر مما تكويها نيران الخطأ لأول مرة.
ــــــــــــــــــــ
م اشرف الكرم
مهندس معماري استشاري