تتضارب المعاني كثيرًا وتتداخل، بين بعض المفاهيم والمفردات التي يستند عليها العقل الجمعي لمجتمعنا المصري والتي يتم تداولها بين الناس، مما ينبني عليه أحكام الناس بعضهم على بعض وتفاعلهم سويًا،
ومن تلك المفاهيم التي أرى حدوث التداخل الشديد فيها، هو مفهوم العفو ومتطلبات العدل.
والعفو ابتداءً هو أن حينما يكون عن مقدرة وإمكانية في أخذ الحق من الظالم سواءً عن طريق القضاء أو الجلسات العرفية أو باليد أيًا كان، ولا يكون العفو عن ضعفٍ أو قلة حيلة وعدم مقدرة في إسترجاع الحقوق، فهذا الأخير يكون ذُلًا وهوانًا.
أما العدل فهو إعمال القانون أوالقيم والمباديء المتعارف عليها، لاسترجاع الحقوق بشكلٍ مشروع وبمشاركة رسمية من الدولة أو عرفية من المجتمع، يكون المظلوم فيه مالكًا لمستندات الحق ومتطلباته.
لكننا نلحظ الضغط المجتمعي على المظلومِ أحيانًا-إن لم يكن كثيرًا- تحت عنوان العفو، كي يتنازل المظلوم ويترك إعمال الطرق المشروعة قانونيًا أو عُرفيًا لاسترجاع حقوقه، ليظل الطَرق فوق رأس المظلوم ليل نهار، حتى يصلوا به إلى العفو عمن ظلمه، أو تذكيره بصلة الرحم أو أهمية الفضل تجاه الآخرين عمومًا ليتنازل عن الحق تحت مسمى العفو.
وأعتقد بأن الدور. المجتمعي هنا يشوبه انتقاصٌ شديد، إذ أن المظالم لها شقين، فهي إما أن تكون مادية أو أدبية، ولابد من التفرقة بين هاذين الشقين،
فإن كانت الحقوق المهدورة عينية أو مادية، فلا يكون العفو هنا هو الأفضل، بل تحقيق العدل أولى وأعظم، لأن إعمال العدل بأدواته الرسمية أو العرفية المشروعة يكون ردعًا للآخرين ممن تسول لهم أنفسهم التعدي على الناس، ويكون في في العدل حياة.
أما لو كانت الحقوق من الشق الثاني وهو التعدي الأدبي أو المعنوي، فهنا يكون الأمر حسب الضرر الواقع على المظلوم ومقداره، ليتم إعادة الحق للمظلوم أو دعوته للعفو والتسامح، حسب الحال.
وأتصور أن على المجتمع مسئولية كبيرة أراها أعظم من دور القضاء الرسمي في تلك المسألة، إذ ليس في كل خلافٍ على حقوق يستطيع المظلوم الذهاب للتقاضي، وهنا يبرز الدور المجتمعي الذي يجب أن يتنامى، ليستشعر الظالم ضآلته أمام الآلة المجتمعية التي حوله والتي ستكون في مواجهته لردعه، وليس لتكون في وجه المظلوم للضغط عليه تحت دعاوى العفو والتسامح.
إن إرساء القواعد القِيَميّة في المجتمع وممارسة تطبيقها، بعيدًا عن الخلط والتداخل، لهو سبيلٌ إيجابيٌّ قويم لإصلاح الأفراد بطريق المواجهة والتقويم.