كلما تابعت المشروع التطويري الاستثماري الكبير بمنطقة رأس الحكمة -والذي يمثل ضربة قاصمة لكل الشائعات التي عانينا منها اقتصاديا- أقف مذهولًا من هول ما يدور من جدالات وصراعات كلامية غريبة، بين المؤيد والمعارض لتلك المشاركة الاستثمارية الكبيرة، واحتار كل الحيرة من هذا السجال المريب.
إذ أنه من المنطقي أن يعارض مثل هذا المشروع مَن هم مٍن ذوي الخبرة في المجال العقاري والتطوير العمراني من المتخصصين أو الممارسين في هذا المجال، أو من المستثمرين الذين يقومون بالشراكات مع هيئة المجتمعات الجديدة ولهم سابقة أعمال يستطيعون من خلالها النقاش حول مشاركة الدولة للقطاع الخاص، ومدى نجاحها في جذب رأس المال الأجنبي.
لكن الذي يحدث على أرض مصر، أن الجميع يتكلم ويعارض وينتقد، من خلال صورته الذهنية المسبقة عن إدارة الحكم، وليس من خلال أي مقومات تجعله قادر على النقد والتحليل،
وبالطبع ليس كل من سمع تحليلًا أو نقدًا أصبح جديرًا بأن يُدلي بدلوه، فمثل تلك المشاركات التطويرية والاستثمارية، نعتادها في مجال العمل بالاستثمار عمومًا، وفي جذب الاستثمار الأجنبي خصوصًا، وهو المستهدف بشكل أكبر في أي دولة من دول العالم.
ومن أغرب ما قرأت عن مشروع رأس الحكمة، ما قالته إحداهن على منصة الفيسبوك عن الإماراتيين: "هُم هيورثونا بالحيا" !!
مما أعتبره خطابًا ينشر الضغائن والكراهية عن غير علم وبانعدام وعي، إذ أنه لا علاقة بين شراكة التطوير والتوريث،
فإذا قمت ببيع نسبةمن ملكيتي في أرض أملكها، ليقوم المطور بتطويرها وبنائها لأتملك النسبة الأخرى بعد بنائها،
فهذا في عالم الاستثمار (الذي هو مجال عملي المهني والعلمي) يُسمى مشاركة استثمارية.
وتكون الحكمة من المشاركات تحديدا هي في الحصول على نسبة لمالك الأرض في بناء متكامل يُدر أرباحًا استثمارية، بدلًا من أن تكون الأرض مملوكة بالكامل لمالكها، لكنها لا تدر أي استثمارات ربحية، ويكون ربحها حينئذٍ ريعيّ يعتمد على زيادة سعر المتر المربع وفقط.
لقد قمت بنفسي بعشرات العقود للمشاركة على تطوير أراضي يملكها القطاع الخاص وتطورها الشركة التي أعمل بها، حيث تختلف نسبة صاحب الأرض حسب قيمة الأرض إلى قيمة التطوير والأعمال التي ستقام على هذه الأرض، وبذلك يتسلم مالك الأرض نسبته من الأعمال التي تم تطويرها ليستفيد بها ومن أرباحها.
وفي الحقيقة، نحن نحتاج بشدة، إلى إعلام محترم ذو مصداقية، يُعبر عن الواقع والحقائق ويصل إلى الناس بهدف رفع الوعي المجتمعي، ليعرف الناس بصدق، الحكمة من مشروع رأس الحكمة.