قام والرياء قد رفع مؤشر عجبه وافترائه إلى حده الأقصى، وعقله على شفا السفه والظلام، وقلبه غواصٌ ماهر في أمواج الضلال غلبت عليه شقوته وظن أنه قد أحسن صنعا وهو يصيح مدويًا:
أما إذ نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية!
سعد بن أبي وقاص، مجاب الدعوة، ذاك الذي إذا أطل على الأرض امتلأ ثراها بروائح مروره المعطرة بأريج الجنة الفواح، ذاك الذي سيقت إليه البشرى بأمر الله تفضلًا منه وإحسانًا، فرافقته في كبد الدنيا وظللته بالنعيم، يشكو أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فيعزله عمر رضي الله عنه وهو أعدل من يأتي بعده؛ درءًا للمفسدة، وتهدئة للنفوس، وإخمادًا لنار الفتنة مع ثقته فيه، وأقام مكانه عمار بن ياسر واليًا عليهم، ومما ذكره أهل الكوفة أن سعدًا لا يحسن أداء الصلاة؛ وذلك لسوء فهمهم وجهلهم بكيفية الصلاة، فأرسل إليه عمر بن الخطاب يسأله عن شكايتهم قائلًا: يا أبا إسحاق ـ وهي كنية سعد ـ إن هؤلاء يزعمون أنك لا تجيد الصلاة على الوجه الأكمل.
فقال:
أما أنا والله كنت أصلي بهم صلاة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا أنقص منها شيئًا؛ أصلي صلاة العشاء فأطيل القراءة في الأوليين؛ لأنه يقرأ بعد الفاتحة سورة أو ما تيسر من القرآن، وأخفف القراءة في الركعتين الأخريين فلا يقرأ بعد الفاتحة شيئًا. وكأن ما عابوه في صلاته هو إطالته الأولى وتخفيفه الثانيه.
فقال له عمر رضي الله عنه: لقد أصبت السنة فيما فعلت، وصليت مثل صلاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا ما نظنه فيك يا أبا إسحاق. وأرسل معه رجلًا أو رجالًا على رأسهم محمد بن مسلمة رضي الله عنه، فسأل عنه أهل الكوفة ولم يترك مسجدًا من مساجد الكوفة إلا سأل عنه، وجميعهم كانوا يثنون عليه خيرا ويزكونه، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، وهي قبيلة من قيس، فقام رجل اسمه أسامة بن قتادة فقال:
أما إذ نشدتنا وسألتنا بالله أن نخبرك عن سعد، فإنا نقول:
إن سعدًا لا يخرج للغزو في سبيل الله، ولا يعدل في قسمته، ولا يعدل في الحكم بين الناس!
وكان ما قاله ظلمًا، وغبنًا، وإجحافًا بحق سعد بن أبي وقاص، فدعا عليه سعد قائلًا:
أما والله لأدعون بثلاث:
"اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا، قام رياءً وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن" وأصابته سهام سعد رضي الله عنه
دعا عليه بثلاث؛ طول العمر حتى يرد إلى أرذله، فيهن العظم منه، ويشتعل رأسه بالشيب، وتنتكس قواه، وجمع له مع طول العمر أن يُسلط عليه دوام الفقر وبؤسه، وجمع له الثالثة التي هي الأشد وهي أن يكون عرضة للفتن، ففتن بالنساء؛ فكان هذا الرجل إذا سئل عن سوء حاله الذي هو فيه يقول:
أنا شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد بن أبي وقاص.
قال عبد الملك ـ وهو أحد رواة الحديث، وهو ابن عمير بن سويد الكوفي: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق، يغمزهن، بمعنى: يغازلهن أمام الناس.
فالظلم نار لا تلتهم إلا من يطعمها، تظل تقتات عمره على مهل حتى يرحل إلى الوطن الأخيرالذي يقصده كل المسافرين، ويظن أنه مما اكتسبت نفسه في حق غيره قد نجا، فالملك العدل جلّ جلاله لا يغفر ولا يغفل عن حق العباد فيما بينهم حتى يغفروها هم أو يدفعوا القصاص يوم لا ينفع مالٌ ولا سلطة
قال ربكم : وعزتي وجلالي ! لأنتقمنَّ من الظالمِ في عاجله وآجله، ولأنتقمنَّ ممن رأى مظلومًا فقدَر أن ينصرَه فلم يفعلْ .
المزيد..
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الضعيفة
هذا حدث مع سعد بن أبي وقاص،مجاب الدعوة، المبشر بالجنة، فكيف بنا نحن؟!