يا كل الأماني الغافية في ثنايا الكتمان، الرابضة على مشكاة الفرج، وحال عليها الحول وهي في محاريب الكظم تتعبد بالصمت، حتى جن عليها ليل المحال، وصبرها في كؤوس الأمل ما شاب، ودعاؤها في أسمال الخفاء ما خاب، وعن قبلة السماء ماحاد ولا ارتاب؛ قد تهيأت أيام الجبر مؤذنة في القلوب: الآن حصحص اللطف؛ فهلموا، تلبية لنداء الملك، وسعيًا إلى جواره بالقلب، وإحرامًا من الدنيا وزينتها إلا من ذكره جلّ في علاه، فما بين نظرة قلبٍ وضمة عين؛ تذوب جبال من الهموم، وتتحقق آمال؛ فاذكروا اسم الله، وعظموا شعائره، وأكرموا مثوى الأيام؛ عساها تزف إليكم الفرح بشريات، وكبروا..
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"ما أَهَلَّ مُهِلٌّ قطُّ إلَّا بُشِّرَ ، ولا كَبَّرَ مُكَبِّرٌ قطُّ إلَّا بُشِّرَ ، قيل : بالجنةِ ؟ قال : نَعَمْ"
(وليالِ عشر)، أقسم بها الله في كتابه، والعظيم لا يقسم إلا بشئ عظيم؛ فكانت أفضل أيام الدنيا؛ ففروا إلى الله فرار المحب المشتاق، الذي شيع دنياه، وطوى سعي النهار بالذكر والاستغفار، وأحيا أنفاس الليل بالقرآن، وأوقد مصابيح السحر بالدعوات. وحين تذرفون أمانيكم طمعًا في كرم الوهاب، فزينوها بالمعية، وعبقوها بهدايا الجبر، وأشركوا الأحبة، وقدموا الصدقات.
أذيبوا قسوة البعد، ولفحات الفراق، وتآمُر المسافات وعانقوا أحبتكم في كل دعاء، اصنعوا من هدايا القدر ـ المبعوثة في رحمات تلك الأيام ـ ملتقى صدق، ومجلس محبة، وعناق في سجدةٍ ودمعة، ولقاء تتزاور فيه أرواحكم مع أحبتكم في كل حديثٍ ورجاء مع رب السماء.
ضموا في دعائكم من عرجت أرواحهم إلى ربهم، وتوسدوا التراب، وأصبحوا لا يقدرون على فعل شئ؛ إلا تلك الدعوات، ونفحات الرحمة المحفوفة بالصدقات، التي يسوقها إليهم القدر من عملٍ صالح لازال يذكرهم، أو ولد بار لا زال ينفعهم؛ فمدوا إليهم قلوبكم بالدعاء؛ عسى الله أن يتجاوز عنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.
واذكروا الله كثيرًا؛ فذكره حياة ونجاة
قال الإمام (ابن القيم) رحمه الله:
"القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة، فإذا ذكر الله؛ ذابت هذه القسوة كما يذوب الرصاص في النار"
وقد عظم الله هذه الأيام بيوم عرفة، ذلك اليوم الذي يباهي الله ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة،
ففي الصحيح (إن الله يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، يقول: انظروا إلى عبادي أتوني شُعْثًا غُبْرًا) الراوي: عبدالله بن عمر، المحدث:الألباني، المصدر: صحيح الجامع.
فاغتنموا الفرصة، واجتهدوا؛ عسى الله يجمع بيننا وبين دعواتنا.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ . قالوا : يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ"
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : موفق الدين ابن قدامة | المصدر : المغني لابن قدامة | الصفحة أو الرقم : 4/443 | خلاصة
يقول أحد الصالحين:
والله ما دعوت دعوة يوم عرفة وما دار عليها الحول إلا رأيتها مثل فلق الصبح.
وقال صلى الله عليه وسلم:
" خير الدعاء دعاء يوم عرفة"
اللهم اجعل لنا النصيب الأوفى في ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأكرمنا بلذة مناجاتك.
اللهم إني قد رزقت حبه (الدعاء)، فاجعل اللهم قلبي كعبته ومعتكفه ومأواه. (ربنا وتقبل دعاء)