الأرض المباركة إرث الأمة الإسلامية الهارب ترفعًا وأنفة من عبث أبنائها وتطاولهم عليها، حين ضل سعيهم، وغاب الوعي عن قلوبهم، وتفشى الجهل في عقولهم، ألقى بهم النزق بين فكي الفتن، ومد السوء مخالبه السوداء داخل أرواحهم ليعيث فيها فسادًا، وكأنهم (بذورا ضالة) ذرتها رياح اللهو ذات وهن، وجرت بها في أرض التيه دون وجهة، يتلقفها السراب تارة، ويلتقمها الهلاك تارة أخرى، يطرحها الحاضر بقسوته على ناصية النسيان، وتضرب شيخوخة الذبول جذورها، يلفظها الداني والقاصي؛
فعاشت منبوذة على شفا المتاهة كاللقطاء، تشق الأرض بحثًا عن مرسى أو ضفة تؤويها حتى آيست القرار، رغم وضوح الطريق ونصوعه، لكنه لا يوهب لراغب عنه وزاهد فيه، (فالعقيدة) أرضها عزيزة، خصبة إذا منحت طينتها لروح خاوية أينعت وترعرعت وعادت من الموت، وصبغت بلون الفطرة، وملأها النور الذي شح في الزمن الخراب، وضن به الجاحدون في دنيا الأثرة!
فمن أراد استعادة الإرث، والتمكين في الأرض فليحيي العقيدة في قلبه أولًا، ويمشي على هداها، ويتوكأ على شمسها التي لا تغيب، ويتحرر من منسأة العجب، ويطلق ألسنة الصمت في إقامة الحق وإزهاق روح الباطل.
فواجب على كل مسلم استعادة أرض الإسلام المغتصبة وغيرها، لأنها ميراث الأمة الإسلامية، لإقامة الشريعة،
فأول من أسس المسجد الأقصى هو (آدم عليه السلام) ليكون قبلة لبعض ذريته، ورفع قواعده ابراهيم ويعقوب عليهم السلام، وجدده داود ـ عليه السلام ـ وأكمله سليمان عليه السلام، وكان عهد داود وسليمان عليهما السلام هو العصر الذهبي لبيت المقدس، فقد قامت على أرضه دولة إسلامية مكن الله لها تمكينًا لم يتكرر في حياة البشرية إلا في عهد محمد صلى الله عليه وسلم.