إن اليأس يسيطر على روحي, ينتهك جوانب نفسي, يستبيح قتلي ببطيء شديد, يرسم بخطوطه المتعرجة خرائط خراب تملأني, لا أدري لماذا؟
لعل هناك ذنب أقترفت, فتنتقم مني الحياة, غير أني أقول أي ذنب تكون عقوبته إغتيال روح, أرى أمامي أناس يطوفون حوالي أرتكب أشنع الجرائم, لكن الحياة تمنحهم بسخاء, المال والسلطة والنفوذ, تعطيم ببذخ شديد, لا تبخل عليهم بشيء, تعطيهم أضعاف ولا تتوقف عن العطاء, فلماذا لا تعطي من يستحق, تتركه كآفة وتحمل للأخرين ممن أرغومها على المزيد والمزيد, كنت أقول ألا يكفي فإذا هي تكيل لي من العذاب والآم أضعاف مضاعفة, وتجعلني سلعة رخيصة في عيون البغاة والناقصين, كانت تتشفى مني, فعطائها لي شنيع يثقل الروح, وإني تعبت ولم أعد أحتمل كل هذا العناء والضياع, أنني الأن صورة باهتة صورة رمزية للخراب الذي منيت به, وألصقته الحياة بثوب ردائي الممزق, رقعة ورقعة هناك ولم يعد في النفس شيء قائم إلا وهو ممزق تحدثت إلى كل الأشياء, الدروب الطويلة الشوارع والأزقة, إلى الأحجار والتراب والتلال إلى الأواني إلى الأردية, لكنني في نهاية المطاف أعود مثقل بالحسرات, بالخيبات أعود محمل بالأهات التي تملأ جراب نفسي, أبكي في الخفاء, أبكي بلا دموع, تفضحني بلا عيون, وأجرجر أقدامي إلى الهاوية, تمتد يدي نحو السراب, يعقني بلا إرتياب, ويقذفني إلى الحقيقة, أفيق على الحرائق تلتهمني دون أن تمسني, حرائق بلا دخان تكوي الجباه, لتبتعد بعد أن ألصقت بها العار والنفور, حين تقع فوق العيون أنظارها الضامرة, أسوق نفسي نحو الغيب المجهول المكدس, بمزيد من الانهيارات, إن الغد الذي كنت أنتظره عمري كله, لا يجيء لا يطرأ على خاطر الدنيا أن تسعفني به, تنقذني ولو مرة واحدة أستطيع فيه أن أذق طعم الحياة, أن مذاقها التي تجرعني إياه يملأ حلقي دما يقطع أحشائي, كل حياتي نقطة سوداء كبيرة, نقطة خرقاء تصادر كل جميل يقترب, الوحشة تفيض مني إلى ما حولي, أراها هي الأخرى في إنحدار, هل لأن عيني كليلة, لا تريد أن تتزود بما يؤلمها أن ترى الخراب في كل شيء, فتعزي نفسها عما فيها فالكون المحيط كله يعاني, ولكن نظرك للأشياء يختلف تراه قبحا فتقف هناك باحثا عن الجمال فلا تجد, فتتحسر ويراه غيرك فلا يقف ويمر بلا اشمئزاز, فتروق الحياة لا يصيبها العطب لكني أرى الطعنات بسكين حامي قطعت وغرست سنها الحاد في شغاف القلب, وفي الجمجة تشق طريقها لتمحو الذاكرة, وتكمل الدمار وتنشر الظلام, وتكمل مسيرة الخراب إن ما ينقذني إنما الموت, الموت الذي يحلل الاسجاد فتخرج من سجنها وتهيم الروح بلا أحزان, لا يعوق سعادتها شيء من نزوات وأهواء فتنطلق من عقالها إلى السماء, تجاور النجوم وتشرق شمسها من باطن الروح تدور في الأفق بلا قيد, وتغني هنالك أغنية البلابل وصوت العصافير ينشد وموسيقى الروح تهيم, لكني وللأسف أفيق على العذاب كل يوم يلقنني دورسا قاسية, ويجعل من جسدي تجارب لطعناته, وتمضي الأشياء إلى سكونها الأخير بعد أن يكتنفها الموت في لحظاته الأخيرة, فالموت هو النجاة حينئذ الموت هو نهاية الطريق وبداية الحياة, ربما لأن الحياة هنا غائبة, أن نجدها هناك في العالم المجهول, العالم الذي يطل في رؤسنا, نحلم به, ونتمناه ونريد له أن يكون هو الحياة, فنحن هنا بلا حياة, بلا وجود وجودنا مرتبط بالغيب المنتظر, ربما تعلل أتمسك بالمستحيل, أخادع نفسي بأن هناك حياة تستحق أن نعذب في الدنيا من أجلها من يصدقون, يعيشون الحياة بكل قوة, ومن يرتابون تتعذب أرواحهم بلا جدوى.