إن الثورة ليست تمرد على كيان دولة, لتزعزع إستقراره, ليست إنقلاب تسحق في سبيلها كل ما يعارضها, ليست مطامع تسعى إليها الجماعات, لتنال نصيبها من المال والثروة والسلطة, وإستبدال طاغية بطاغية, ووعصابة بعصابة أخرى, إنما الثورة الحقة هي أن تعيد الأشياء إلى نصابها الصحيح, أن تنتشر العدالة, وتقام الموازين الحق بين الناس, أن يتساوى الجميع أمام القانون, الذي لا يفرق بين غني وفقير, أن تنال الحقوق, وتؤدى الواجبات, أن تكون للمصلحة العامة الأولوية, وينتصر لها الجميع, إنه تمرد على السلبيات, التي تملأ المجتمع, وتتحكم فيه, إنها نظام عادل, فالغاية الأولى هي الحرية, هي العدالة, هي أن يكون هناك سيادة للقانون, وأنه لا شيء يعلو صوته فوق صوت الحق والعدل, فإذا كانت الثورة قد نجحت في إرساء قواعدها الصحيحة, فتلك ثورة ناجحة, تؤتي أكلها, وينعم الشعب في ظلها, بكل المعاني الإنسانية والقيم, وإذا ما نجحت في إزالة نظام ظالم, وعجزت بعد ذلك عن تطبيق ما سعت من أجله, فهي الخراب, الذي يهون الاستبداد بجانبه, فإن فلحت رجالها في القيادة, وكانت مصلحة الدولة هي الأولوية الأولى, فذلك المطلوب الذي ينجبها من خراب محقق, إن هي تقاسمت على نفسها, وسعت كل فرقة وكل جماعة في الإستماته لتتصدر المشهد, وليكون لها الحكم والمكانة, وتنسى الثورة ومباديئها التي كانوا ينادون بها, فتدوسها الأقدام من أجلها حين ذلك تتكشف أغراضها, فإن كانت ثورة عقل وحق وعدالة, كتب لها النجاح, أما إذا كانت من لأجل مجد جماعة أو طائفة, فهي الوبال والشتات والفرقة, والنزاعات التي تعجل بتمزيق الدولة....فالنداء بالحرية والعدالة ليس لغرضه أو لتحقيقه وإنما هي من الوسائل التي يستغلها للوصول إلى الحكم, وفرض أطماعه بالقوة, التي كان يحاربها فالطمع في السلطة, هو الأساس ومهد بأحاديث الحرية والعدالة, لينال بها ما يتطلع إليه....إن التكتلات المختلفة, التي تتعاون ضد النظام القائم, وما فيه من فساد, والذي أستدعى قيام الثورة ومحاربة النظام, جعل من الجماعات المختلفة والمتباعدة, يد واحدة ضد عدو قوي, فما من جماعة بمستطيعة محاربتها بمفردها, إنما تستعين بأخرين مضطرين, فتضع اليد في اليد, والكتف بجوار الكتف, ويبدأ النضال, حتى إذا نحجت الثورة, واجه كل منهم سلاحه في وجه الأخر, وحاول أن يستأثر بالغنيمة أو السلطة, ولا يردعه أن يسحب شعب بأكمله إلى الحرب الأهلية مرة أخرى ..فالخلل إذا في تركيبة العقول, والفكر الذي يعتنقه كل جماعة تؤمن به حين تكفر بكل ما يخالفه, وتعده خطر ووبال على مسيرتها, وقد ترتب أذهانهم على ذلك فالمعضلة إذا تكمن في العقول, في الثورة على الجمود, على عدم تقبل الأخر وسيظل الأمر حتى ينشأ جيل متفتح, يكون بمثابة الثورة الحقيقة, التي يعلي صوت العقل على صوت العنف والجهالة وعبادة التقاليد.