فالذي لا يقرأ يجهل حتى الأشياء التي بين يديه, يجهل العالم المحيط به, ولا يعرف إلا ما يلقنه الأخرون له, فهو يردد بلا وعي, وعلى غير هدى, إنه ضيق الأفق إذا إنه يعيش حياة قصيرة رتيبة, لا يدرك فيها قيمة الحياة الحقيقة, ولا يعرف لها معنى إلا معنى, لا يتعدى حواسه, حتى هذه يجهلها ولا تخطو بها إلا خطوات قصيرة, إنه أشبه برجل أعمى, يعيش في بيت صغير, حفظ فيه أماكن المتاع من حوله, ولا يدري عن العالم الخارجي شيء, فمعرفته محدودة بحدود بيته, وهو يظن أن العالم خلف جدار بيته, كبيته الصغير, فالقراءة عوالم لا نهاية لها, وأفاق لا حدود لها, لا يعرفها إلا من سلك دروبها, وأطلع على ما فيها, ولن يتاح ذلك إلا بالقراءة والإطلاع, وأن عالم الكتاب عندنا, لا حظ له من حياة, وأن سبب الجمود الذي نعانيه, إنما هو من فرط الجهل والغرور, وعدم القراءة والإطلاع, فسوق القراءة, سوق بضاعته بائرة, وسلعة غير مرغوب فيها, ولا نصيب لها من رواج,
من لم يقرأ فإن له خيال محدود, وحس ضعيف, ولا حظ له من حيوات, يحرم نفسه منها, إن متعة أن تعيش أكثر من حياة, لا تجدها إلا في عالم القرأة والاطلاع على القرائح والعقول, إنها تسمن الإنسان أو روح الإنسان, ويزداد الشعور بالحياة أضعاف مضاعفة, فاليوم الذي يمضي دون أن تقرأ, ولو أسطر قليلة من كتاب, هو يوم واحد, أربع وعشرون ساعة, ولو وهبتها الأسطر القليلة دقائق, لصارت ساعات وأيام, ولعلها سنوات من عمرك, توهب لك راضية ممتنة.
إن الفن والأدب, هو بالفعل القوة الناعمة, التي يتبدل بها حال الأمم, بل هي الأهم فهي التي لها الأثر الأقوى, لما لها من انتشار, وفهم بين الكثير من الناس من خلال القراءة, والسينما والمسرح, وما يعرض فيها من دراما, فرسالة الفن لا تقل أهمية عن رسالة العلم, فهما تسيران على خطى واحد, ولا تقدم في صناعة, ولا نهضة دون الإرتكاز على الاثنين دون إجحاف لواحدة على أخرى, فالمجالات المختلفة من زراعة, وتجارة وصناعة على أصعدة مختلفة, فميول الناس مختلفة والأهواء والنزعات, فلا مجال لتفوق طبقة على أخرى واهتمام ناحية على أختها وتقدمها خصوصا في عالما الذي لم يترك لنا حجة في السعي والبحث والتنقيب وأن الأدوات متوفرة وكثيرة, لمن أراد ولمن أراد أن يعمل فلا مجال لكسل أو اختراع حجة, تقف عائق أمام ما تريد الدولة فعله, ولكنا نحتاج أن نتحرر أولا من أفكار, باتت هي التي تتحكم فينا نابعة من خارجنا ورثناها وتتبعناها, وما علينا إلا أن نؤمن بأنفسنا حتى نبدأ الخطوة التي تساعدنا وتمهد لنا الطريق للانطلاق نحو عالم لا يتوقف ولا ينتظر, وإنما هو يتسارع ولا يقف لأحد, فالوقوف معناه التأخر ولا وقت فكل ثانية فارقة في عالمنا المتسارع ...