البحث عن العمق
الكثير من الشباب لا يبحث إلا عن الشكليات والمظاهر, ولا يعنيه من جوهر الحياة, القليل ولا الكثير, يتعلم بمقدار ما يريد أن يحقق من وراء علمه من مكاسب مادية, فلا يعينه القيمة التي يتعملها, ولا يستزيد منها لسعة عقله, ولذة في طلبها, ومتعة لروحه, فكل هذا لا ينظر إليه ولا يرمي إليه طموحه وحماسه, فكل شيء مرتبط بالمال أو الوظيفة من وراء ما يدرس ويتعلم, فإن أحب العلم لذة واستزاده لروحه, وهذا في القليل النادر سخر منه المحيطين ورموه بقلة العقل وسوء العمل, فيتراجع الفتى طلبا للسلامة من ألسنة الذم والسخرية, التي تلاحقه وتقتل فيه كل أمل في المعرفة الحقة, فالجموع تتعامل مع الحياة الإنسانية بمبدأ المكسب والخسارة, فإن كان هناك مكسب مادي كان الطريق الذي يسلكه صحيحا, فالوجاهة والسلطة والمال هم قوام الحياة في نظر هؤلاء الجموع والأغلبية من الناس, وهذا دليل جهل وعدم معرفة بحقيقة الإنسان وتركيبه, وهو وزر للشباب فيه نصيب, كما أن للناس فيه نصيب, مشكلة يتحمل عواقبها الشباب, كما يتحمل عواقبها الشيوخ, إن الكثير من مظاهر حياته يسير على هذا المنوال من العبث المقنن, الذي اجتمعت الناس على العمل به وجعلته قانون وشريعة, وهو من المهازل, الذي نعتز بفعلها والتمسك بها, وإنها لقسمة ضيزى, وجور عظيم لملكات النفوس, حين تجور على الملكات الكامنة من أجل الظاهرة, وتنفي الروح لتترك للجسد السبيل في تحقيق كل ما يرغب, ويري وتسعى له خادما عابدا دون إدراك لتلك الروح, التي تسكنك وبها تعلو, فكما تنشط لغذاء الجسد والرفاهية الجسدية, يجب أن تسعى لرفاهية الجانب الأخر من إنسانيتك, فتكون قسمة عادلة, ولعلها هي الأجدر, وإذا جرت فلا تجور عليها, بل تعطيها حقها وافيا وأكثر قليلا, فإذا ما تعارضت الملكتان, فلها الأولوية التي تنصفك كإنسان, لا التي تهبط بك إلى مدارج الحيوان, وسوف تعلم أن النفس التي لم تعطى لها نصيبها من معرفة الجواهر ولبابها, هي نفوس فقيرة, مهما بلغت من ثراء المال, وثراء الترف, إن هناك قيمة أرسخ من قيمة المال, وهي قيمة الشعور, حين تجعل له حساب, وله نصيب, ستعلم إنك كنت تجهل معنى الحياة الحقيقية, إذا كنت تصب اهتمامك على الشكل والمظهر, وإنك كنت تفتقد الكثير منك, وإنك جهلت نفسك جهلا مطبقا, سوف ترى مكاسب أسمى, وجمال أروع, وسلطة أفخم من ذلك الكساء المزخرف, والذي ينطوي بداخله على القبح, الذي يُعمى بصيرتك من معرفته وإدراكه.