يعيش الإنسان على تلك الذكريات, التي تشكل شخصيته وأفعاله تجاه الأشياء, فهناك تلك الذكريات القوية التي تنحفر في ذاكرته, فتؤثر فيه ويكون له يد في تحديد سلوك معين يسلكه, وقد تكون هناك ذكريات عابرة, لا تمثل له شيء, وقد تمر به أخرى فلا يعطيها من العناية أقل تقدير, ولكن هناك أشياء تترسب في قاع الباطن, تشكل وتتصرف وتؤثر دون وعي من الإنسان, أن لها أي تأثير, بما بالهروب منها وإرادة نسيانها أو بتجاهلها أو محاولة قتلها ودفنها, ذلك أنها تشين وتجرح, فلا طاقة لإنسان بمواجهتها أو تذكرها, إنها حية في ضميره, ظاهرة على تصرفاته,على بعض أفعاله, دون شعور منه, فتنقلب لمرض أو ما أشبه بالمرض ...فالصراحة والوضوح هي الشفاء من هول ما يفرضه الباطن على الإنسان, ولكن كيف يواجه الإنسان نفسه, كيف يقف عند ما يكدر عليه حياته, وهو أصلا لا يدري بما يعتريه وما يصيبه, وهو يتمعن في الهروب والإنكار, وإنه على ما يرام, فمجرد الوقوف هو أعتراف بالمرض, ولعل الأخرين يرونه مجنون مصاب في عقله, إن مجرد التفكير في البوح بها يضعه, موضع الريبة والظنون ..المواجهة لا شك صعبة في مجتمع يعيش على الكبت والحرمان, وأن الجهر سبة, وقلة عقل وأدب, وينظر إليه المجتمع نظرة إزدراء, بالرغم من أن الكل يلتصق به, ما يشينه فلسنا ملائكة, وفي كل منا عيوب, ومواجهتها تسلك بالإنسان سبيل التخلص منها.