فينتهي به إلى هيكل من العظام النخرة, ينغص على الإنسان معيشته, ويجعله مضطرب, متردد, لا يحسن الحكم على الأشياء, حتى البسيط منها, إنه لا بد من قلق, من شك, ولكن الذي لا يهدم الإنسان, فيترك نفسه طعام لأنيابه, هناك القلق الذي يدفع إلى الطمأنينة, والشك الذي يؤل إلى اليقين, لن تخلو حياته من فترات يقتحمها القلق, فلا بد أن يكون على دراية بكيفية التعامل معه, وإلا أنهكه وأنتشر في باقي نفسه وجسده, يعبث به وينال من حياته وعمره, إن الفهم الصحيح لجذور المشكلات, يكون عامل في الوصول إلى الحل, المخرج من بوتقة القلق, وبراثن الشك, ربما هرب الإنسان من مواجهة جذور المشكلة, لأنها مؤلمة للنفس, فيكون ذلك عامل معطل وامتداد لبقاء المشكلة, واتساع هوة القلق والشك, وربما مدخل إلى أمراض أخرى لم تكن في الحسبان.
ويذهب بك الخيال وأنت هائم في الشوارع بهيئة زرية, وجسد يغطيه طين الأرض وروث البهائم, تجالس القطط والكلاب, وتشاركهم طعامهم وشرابهم, وتنتهي مآساتك بأخرى أشد, وكأنك جئت إلى الدنيا لتنتقم منك على جرائم لم ترتكبها, لم يكن لك يد في أقترافها, فيكون الجنون هو أبسط أنواع العذاب, أقل ضراوة من العقل, حين يطعن حين يستغفل, ولا قدرة له على الوقوف على أرض صلبة, وتهوي به كل أرض وتتكاثر عليه صخور الجبال المنهار فوق رأسك, فتدمي فيما تدمي أطلال بالية, تكمل مسيرة هدم إنسان كل ذنبه أنه بلا ذنب, وأنه لم يخطأ في حق أحد, ويؤلمه من أنتهكوه بلا سبب, دون أن يرفع في أحدهم ولو نظرة أزدراء, كان يمد لهم يده, فما أن يعطيهم ظهره, حتى تتوالى الطعنات بكثرة, ولم يشك فيهم, ولم يخطر على باله أن سببها من صافحوه منذ قليل, فلم استيقظ من ثباته العميق, كان الأمر قد أنتهى وتهلهل جسده الطعين, ثم هي الوساوس والشكوك والتذكر ومراجعة الأمور, حتى يرى الحقيقة واضحة أمام عقله, فيأسف لما كان, ثم يقتله الشك المروع, في كل شيء يحيط به, وتتلاعب به الخيالات, وتضعه في زنزانة ضيقة, وتشد الوثاق على رقبته, وتفلته وتشد ويظل تضرب رأسه في حائط صخري قوي, تدميه وتسعفه لتدميه, ويظل الشك ينخر فيه بلا شفقة, ولا هوادة, يطارده كظله, كقطعة من جسده المشوه, ويتسآل عن مخرج, حيث لا مخرج, سبيل حيث لا سبيل, ويدور مع دائرة الشك, التي لا تنتهي, وتصر على قتله ببطيء شديد, ويرواغ مرة ويحايل أخرى, دون جدوى, ويظل العقل واقف مكتوف الأيدي لا حل له سوى الوقوف صامت أمام جريمة قتل مروعة, ينظر ولا يتحرك, كأنه مشلول, وفي هذا العالم يرى الإنسان أعاجيب وتكهنات وأسرار وفيض من الأوهام, ينام بلا نوم ويستيقظ مرهق الحس والخيال, وتتوه في سرب من الأفكار المميته, لن ينقذ شيء أن لم تنقذ نفسك بنفسك, أن لم تؤمن بها, وتتحدى ذلك الضعف الذي ينمو بك, ويحاول أن يسيطر على مجرى حياتك ووجودك نعم الشك قاتل يتسرب إلى النفس ببطيء, ولكن بإمكانك ذبحه في أول لقاء لك به, فليس أهون منه, وليس أضعف منه, إذا ما كانت الحقائق لها اليد العليا, وللعقل قدرة على الصمود وفرض قوته, التي تعاضدها الإرادة في أن تحيا في أن تبقى صحيحة معافه من أمراض النفس, التي هي في الأصل وهم وضلال يقلب نعيم الحياة إلى جحيم أبدي.
ذلك الحشد الهائل من الشكوك, التي تلتهم الروح, فتمزقها أشلاء تتناثر في كل بقعة, تحيط بك, هم ضخم تنوء عن حمله الجبال الراسيات, وزفير قلب محترق وضلوع مهشمة, من فرط الحيرة, كيف أتقبل الحياة, وهي بهذا الثقل إنه ليس إلا النزيف, حتى تنطفأ الحياة سنوات من النحس المركب, دوائر متشابكة تخنقني ليت الموت ينقذ الروح ..أهيم في الشوارع بعقلي المرتاب.
قد تعكر الغيرة صفو المحبين, وتجعل من الحياة جحيم لا يهدأ, ويظل يحرق ويأكل حتى يقتل كل شيء جميل, قبل أن يصبح مارد يعتصر النفوس البريئة, ليلقي بها في قاع النار, التي أشعلتها الغيرة العمياء .