الوعي بالحرية, في مجتمع لا يعرف من العالم إلا جانب واحد, يؤمن به, ولا يرى غيره, جدير بالمعرفة أو بالإعتقاد, فالحرية قد تصل بنا إلى الدمار, إلى الهاوية, لأن معرفة جانب واحد, وصورة واحدة, هي عمل ناقص, وهي ليست بمعرفة على الاطلاق, وهي أحكام جائرة وأسس هشة, لبناء ضعيف, قبل الحرية لا بد من رؤية شاملة, وعقل يستطيع أن يستوعب ما يحيط به, حتى إذا حكم على شيء, كان الحكم صحيحا, خاليا من جور, حتى ولو كان اجتهادا, فنحن لا نرى إلا ما وقعت عليه أبصارنا, ولا نتعداها إلى معرفة غيرها أو مقارنتها بغيرها, لنرى موضع القوة والخلل, فيما نعتنق من أفكار وأراء, إن حزمة من المعتقدات, التي عرفنها وأعتنقنها من غير أن يكون لنا حق الإنتقاد القبول أو الرفض, فالرفض لها هو كفر, خروج عن السياق, عن السرب, فهو الضياع بينهم, والشذوذ والإبتعاد, فالحرية إختيار, الحرية لا تعرف قيد, هو أن تختار بين أشياء بين النقائض أو المتماثلات أو المتشابهات, أن تعرف وتقرر ما تريد, لكننا لا نعرف ما نريد لأننا أردنا ما لا نعرف, وأنسقنا خلفه مقيدين من رؤسنا وأفكارنا إلى ما يسوقنا إليه, فأين الحرية إذن إنه لا حرية لمن ألفوا العبودية وصاروا حزبنا قويا, وجماعة ضخمة تتكاتف من أجل الدفاع عن عبوديتها, وتدافع عنها دفاعا مسميتا, إنك تقدر أن تطلق أحكاما يقينية في اختيار آلاف من قاطني القرى والنجوع, حتى الخارجين عن القانون منهم, البلطجية والسارقون والمدمنون, كلهم تحت راية واحدة, ورأي واحد, لا خلاف فيه, يسخرون من الأخرين, ويضحكون ببلاهة, ويتعجبون ويندهشون من قصور عقول الأخرين دون أدنى معرفة, بما يحملون من أفكار وخطط, ويجهلون أن الآخرين ممن يحتقرونهم, ويحتقرون أفكارهم هم أعلم بهم من أنفسهم بما يعتقدون, فهو أعرف بما يعتقدون وأوسع إدراكا وفهما, لما ينادون به, أعلم بالمحامد وأعلم بمواطن الضعف, أعلم بما يقرأون ويطلعون, وهم أدرى به, أم هم فلا اطلاع ولا معرفة, إلا أحاديث مصاطب, وجلسات شاي في الشوارع والحقول. وفي المناسبات. فالحرية هنا ليست بحرية, إن إنعدم الإختيار, ودخلت بأحكام مسبقة دون أن تعلم أو تطلع على مجريات الأمور, وتحيط بها علما ومعرفة, فهل لهؤلاء ممن لا يملكون معرفة, أن يقال أن لهم حرية, تعزز وتساعد في تحقيق أمال الأمة في النهوض أم هي نكسة وجدال على الفاضي, يطيل من آمد التأخر والتخلف, فإن أعطيتهم الحرية أضروا بنا, وأن منعتها, فهذا دليل على الاستبداد, وكيف تنادي بالحرية وأنت تحرم منها قطاع عريض من الناس, حتى ولو كانوا أميين أو أنصاف متعلمين بالكاد يقرأون ويكتبون, ولا خلفية ثقافية لهم تساعد على إدراك معنى الحرية, وأن يختار بعد أن يقتنع فما الحل إذن الحل في تخطي هذه الأزمة ذات الحدين؟
لماذا نفهم الحرية أنها تحرر من قيود الأخلاق والدين؟ وأن الدين لم يترك لنا مجال في حرية الإختيار, وأن تلك الحرية التي نطالب بها إنما هي خراب ووبال على الدين والأخلاق, وأنها إسفاف وترف, لا ينبغي أن نسعى إليه, لأنه يناهض الدين, ويقف في مواجهته, ويدعوا إلى غير ما يسعى إليه إن العبوية التي يتوجه بها المرء لله خوفا من السيف أو خوفا من بطش أيدي رجال الدين, وفتاواهم لا يقبلها الله, ولا يقر للإنسان بها إنما الاتجاه إلى الله, لا بد أن يبنى على العقل والمنطق, لا الخوف, وأن بعض العلماء يريدون أن يسوقوا الناس إلى الله, بعصا الإرهاب, يفعلون ذلك وهم يظنون أنهم يتقربون لله بها, كأنما الله ملك طاغية, يأمر أتباعه بإرهاب الناس بالقوة للإيمان به, مع أن الدين ظاهر بين واضح في نبذ هذه الطرق, وقد عابها على السابقين, وعلى من يتبعون سبيلها, وأن دعوتهم باطلة وافتراء على الله بغير علم ولا بينة, من أين أستقى هؤلاء هذه الإدعاءات الكاذبة, ليورطوا إدعاء الله في عفن عقولهم وأفكارهم, إن الحرية أعظم ما يشعر به الإنسان حين يؤمن وحين يعطي, وحين يمنع ويجاهر بالرأي, الذي أعتنقه ومع ذلك فالحرية, ليست فوضى, كما يراها أعداء الحرية, فلها حدود, ولها قواعد, تسير على خطاها, لتأتي أكلها, وليست الحرية التي يمنحها الرهبان, فإن خالفت ما يريدون صارت كفرا بواحا, وخروج عن الدين والمنهج القويم, أو الحرية التي يخدعنا بها أصحاب السلطة, ويملونها علينا, لنأخذ بها, فإن حدنا عما رسموه لنا, وما يقولون وما يفعلون أسلمونا للجلادين, يلقنوننا مبادئها, كما يريدها أصحاب القيادات المحنكة.