إن الكلمة السيئة في حق الأخرين, تجد لها آذان مصغية, ولسان ذائع الصيت, وتنال من الإنتشار والشهرة ما لا تناله الكلمة الطيبة في حقهم, فذكر الإنسان بما ينقصه يعلي شأن الأخرين في نظر أنفسهم, ويجدوا في الحديث عنه إقبال ومتعة, وتتفتق أذهانهم في التحليل المضلل, الناشيء من الجهل بالنفوس, ولقد سمعت مرارا أشياء عني, وكأني أسمعها عن إنسان غريب, لم ألتقي به في مكان قط, ولا صلة لي به, لا عقليا ولا روحيا, وإنك لتتعجب من خيال الناس في اختراع ما يلتصق بالناس من أمور مشينة, نتيجة تفسيراتهم التي تعبر عن نقائصهم ودناءة نفوسهم. ولا شك أن أقل الناس إنصافا للمرء أهله وعشيرته, إذا كان له رجاحة عقل, وفضل عمل, فإن أفتخروا به في الظاهر, إلا أن نفوسهم تحمل له من الغيرة والحقد, ما لا تحمله قلوب الأغراب, لأن ذلك يشعرهم بالعجز عن إتيان ما أستطاعه واحد منهم, له نفس الدم, ومن أصلاب واحدة.
.يسعى الناس في إظهار ما عند الأخرين من عيوب وإعلانها, ظنا منهم أن ما يُنقص الأخرين يعلي من قدرهم وشأنهم, وما من نفس بشرية إلا ولها نصيب من النقص, مهما علت وتطهرت, فلابد من قصور ما في جانب من جوانبه, وإلا خرج عن نطاق البشرية, وطالما إنه لا تخلو نفس بشرية من نقص, فإن الأمر مستطاع في إظهار ما عند الناس من ثغرات, ولكن يجب أيضا أن ينظر المنصف على الجانب المشرق منه, وهل بإستطاعته أن يكون له من الفضائل كمن ينتقصه, ويؤاخذه على سيئاته ونواقصه ..أليس من العجيب أن ترى أن أكثرهم في اصطياد المآخذ, وعد النواقص على الناس, هم أقلهم كفاءة وأقلهم فضائل, إن كانت لهم, وإنما أرادوا أن يكتسبوا هذه الفضائل فقط من خلال انتقاص الأخرين.
في حياة كل منا ثغرات, قد تكون كبيرة أو صغيرة, ولكن لا تخلو من هنات نعيش بها, وتعيش فينا, تكبر أو يمحوها الزمن, ولكنها تبقى وتزداد أو تنتهي, وتظل عالقة في قلوبنا وأذهاننا, تجعلنا في مصاف البشر, الذين يخطئون ويصيبون, فالأيام التي أخطأنا فيها, ليست من القلة, وكذلك التي أصبنا فيها شيء من الصواب, مرت علينا تلك الأيام, وغيرها من الأيام, ولازلنا ها هنا أحياء, تكدرنا على ما فعلنا, ثم هي تفجعنا, وتترك لنا الحبل على غاربة أحيانا أخرى, ولقد سئمنا هذا وذلك, ولم يعد لنا طاقة بالمزيد منه, اكتفينا بما نلنا منها أرقتنا الحياة وكل شيء وصارعتنا وانهزمنا أمامها مرات بعد مرات, قالوا لنا إن الحياة بدون هذه الصراعات, لا تلذ ولا يستمتع بها أحد وتكون بليدة, لا تعطينا الثمر, فتكون أرضها مالحة غير صالحة لشيء, فهي تهدم لا تبني لنا سوى الخراب المحقق, فإذا كانت الحياة بهذا السوء, فما هو الصالح فيها, الذي يجعلنا نحب أن نحياها, ونتعاطى ما فيها بكل حب واريحية, نتسول الحب والسعادة, وتكون أبدا يدنا فارغة منها.
إن النفس الشحيحة: هي التي لا تفيض على غيرها من أمر نفسها وتجاربها, فالأمور بالنسبة لها سواء, لا زيادة فيها ولا نقص, تمر الحوادث عليها فيكون نصيبها الفقر والشح, ولا تأخذ منها, ولا تتعلم شيء, أما النفوس التي ترغب في العطاء, فهي تقلب الأمور, وتتعلم وتعطي, وتأخذ وتعيد ما أخذت, وتأخذ ما أعطت أضعاف مضاعفة, نفوس ثرية, ممتلئة بالكنوز, دائما هي تسخو, لا تمنع مما أخذت, لا تترك الأثرة وحب النفس في قلب صاحبه مكان لحب أو رحمة, إنما وقوفهم بمظهر اللين إنما هو أمام ما لا يمس مصالحهم بسوء, أما إذا كان الأمر ليتطرق إلى ضررهم فهم وحوش ضارية, تفتك بغيرهم, ولا تبقي على أحد, فطيبتهم ليست إلا قناع فيما لا يمس جيوبهم.