كانت في الأربعين, عندما تزوجت للمرة الخامسة, فهي سيدة لم تنجب, نصيبها من الحياة, أن تكون على هامش الحياة, دورها عند الطلب, لا تطمع في أكثر من نيل الفتات, ما تبقى من مائدة الأخرين, نصيبها من اللحم الشغت, ومن الدجاج الأرجل والرأس, ما عافاه الأخرون, يكون من حظها. عندما تزوجت هذه المرة كانت في الأربعين, ما زالت قوية البنيان, هيفاء القد, فارعة الطول, ورغم عدم إنجابها, كانت مقبلة على الحياة, مغرمة بها, تعشقها وتتمنى المزيد منها, لم يكن أحد من أزواجها السابقين, ليحقق لها الإكتفاء, كانت تريد زوجا, لا يمل من ممارسة الحب, لعل عدم إنجابها هو السبب في هذا الشره, التي تشعر به, لعله يشعرها بأنثوتها القوية, وإنها في عرف النساء امرأة معطلة عن الإنجاب, فهو يضعف من أنوثتها أمام الأخرين, فأرادت أن تثبت لنفسها ومن يتزوجها, إنها جديرة بهذه الصفة, فهي تعتز بكونها امرأة, وأن أنوثتها طاغية, ومتعمقة متجذرة في نفسها وأعماقها, ولكن في نهاية الأمر تشعر بالخيبة, عندما يتركها الزوج, لعدم إنجابها ضربة فوق الرأس, تجعله يدور ويذهل عن الواقع, ثم يفيق على المرارة, تنغص عليها حياتها, كانت تحاول أن تعوض النقص فيها, ولكنها ككل مرة, تبوء بالفشل الذريع, تجلس في بيت أبيها, ربما أشهر أو سنوات, ثم تعيد الكرة مرة أخرى, تعيد التجربة, بكل ما فيها من ألم ودمار نفسي, ولكن ما عساها تفعل, إن يديها عاجزة عن فعل أي شيء, كأنها مسحورة, أو مأمورة, فهي تحتاج إلى الجنس, كي تعوض ما يعتريها من فتور, تهرب به عن المحادثات الجانبية للناس, التي تشطرها نصفين, دون مراعاة لمشاعرها, ثم إن الأمر ليس بيدها, وأن القضاء والقدر, له الدور الأعظم في رسم حياتنا, والتخطيط لها, لماذا يلومونها على شيء لا حيلة لها فيه؟ إنها غالبا ما تبكي بمفردها, على حظها العاثر, إن وسادتها غارقة في الدموع, تئن من شدة بكائها, ولكن في الصباح تريد أن تبدو قوية, أمام زوجات أخوتها, فهي تعلم أنهن لا يكفون عن الكلام عنها, وعن عدم إنجابها, وزواجها لمرات عديدة, وإنها لا تستقر في واحدة منها, تخرج إليهن في كامل زينتها وقوتها, حتى لا يشمت بها أحد, في هذه المرة, عندما تقدم لها هذا الرجل, ترددت في القبول, فهو رجل في الثانية والستين, من عمره, ماتت زوجته منذ ما يقرب من شهرين, وهو الذي طلب أمر الزواج, غالبا يريد خادمة, وليس زوجة, حدثت نفسها, لن يلبي طموحاتي, وربما ألمني ذلك أشد مما أنا فيه الأن, ولكني في المرة الأخيرة أنتظرت طويلا, لم يتقدم أحد, ولن أصبر أكثر من هذا, وما يمنع, أليست تجربة كالتجارب السابقة, ولكن إن تكن هناك, تجربة مع رجل تخطى الستين من عمره, فهي ستبدو فاشلة, من قلة خوضها, دليل أخر على إنه بطين, لا يهتم إلا لأمر الطعام والشراب, و الإستغراق في النوم, بعد هذه الوجبات الدسمة, التي تسحب الدم من جميع أطرافه, لتساعد في هضم, هذه الكميات الكبيرة منه, لا شك عندي من الفشل الذريع, يعيش مع أحد أبنائه وزوجته, وله أربعة أبناء, ما يعني إنه بيت عائلة, وسيكون هناك شجار وخناقات, وشد وجذب, وربما يصل إلى تعارك, كل الدلالات والأسباب, تقول إن هذا المشروع المقبلة عليه, سيكون فاشل, فاشل ولكن كم من المدة سيبقى على إنتهائه, أظن إنه ربما أشهر, وينتهي بالإنفصال والعودة, إلى حجرتي, لأتنظر مشروع جديد, ولكن أليس من الأجدر, أن أرفض طالما مكتوب عليه بالفناء السريع, والموت المحقق القريب, إن أبي متحمس لهذه الزيجة, يريد هو أيضا أن يترزوج, فأمي ماتت, منذ العامين وهو يبحث عن زوجة, ولكن لأن بيتنا كبير, ولي ثلاث أخوة متزوجين, فهم يرفضونه, حتى إن هذه النساء, لا حظ لهن قط من جمال الوجه, ولا من مكانة اجتماعية, فمن يتقدم لي لديه ابنة أرملة, يطمع أبي في يجعلها أبوها توافق على الزوج منه, ويجعلني وسيلة إلى ذلك الأمر إنها مشاريع أخرى, الحياة كلها مصالح متشابكة, وطالما أن أبي قرر فلا بأس من الخوض, وليكن ما يكون, ماذا عساه أن يفعل, وليس الحياة بأفضل مما سيكون, فالسوء متواصل, وإن أختلفت حدته, من وقت لأخر, إنه لشيء قبيح, أن تتنقل المرأة, بين أفخاذ الرجال, ولا قرار طالما إنه لا يوجد ولد أو بنت, تجبر الرجل على الإستقرار, وإتخاذ وطن, ومأى بدل التنقل, بين الحدائق, يمتص رحيق الورود, ويتركها خالية خاوية, من كل ما يجذب, وطالما أنني لا أنجب, فلا ضير من هذه الرحلة, الغير مباركة, تحت ألوية الرجال, فلا يجب أن أحزن فالأمر خارج قدرة إنسان, فهو مكتوب علينا جميعا, ما اقبح تلك المجتمعات, التي لا تحترم المرأة, التي لا تنجب, وتجعلها على هامش الحياة, تنال الفتات, ولا حق لها في أن يكون لها رأي, أو إختيار أو حتى مشاعر تتألم وتحس, وأن تكون دُمية, لا قيمة لها, إلا أن تخدم, قدرها في الحياة, خادمة بلا مقابل, أو مقابل الرضا من زوجها, وما يسد الرمق من طعام وشراب, وأنا أشعر بأن جسدي نحس من كثرة الضربات, فلم أعد أشعر بتلك الإهانات, التي كانت تؤلمني في الماضي, وتنغص علي حياتي, لم أكن ذات تجربة, حينها عندما قلت لأبي بأنني موافقة, تهلل وجه أبي كأني أنا صاحبة القرار, أعلم في قرارة نفسي, إنه لم يكن لي خيار, فأبي وأخوتي سوف يجبرونني عليه, ولكن قدمت السبت, وأعلنت موافقتهم, لا موافقتي, ورغبتهم لا رغبتي, فالإنسان في غير بيته, يمثل هم ثقيل, وأنا في غير بيتي, حتى أبي أشعرني بذلك, رغم أنني أخدمه بعد وفاة أمي, ولكنه الأن يريد زوجة لا ابنة, فهي مكانها في بيت زوجها, وهي تعطله, فربما رفض الأخريات له, يكون بسبب ابنته التي في البيت, وسوف تتأمر على زوجة أبيها, وتعاملها معاملة الحمى, وزوجات أخوتي أيضا, أشعرنني بذلك الحمل الثقيل, الذي أكونه, فليس لي هنا شيء, أبكي عليه, أو أتمسك به, وربما الأقدار تخلف ظني, وتكون الحياة المقبلة على غير ما أتوقع, وتكون على ما يرام, من طيب العيش, ومتعة الحياة, صحيح أن ظنوني نادرا ما تأتي على خلاف ما أتوقع, فربما تكون هذه المرة من القليل النادر, اليوم الثلاثاء بعد يومين, أرحل وأكون في بيتي الطبيعي, وأفسح لهم الطريق, العقبة الكؤد, التي تتعثر فيها حياتهم الشريفة, الناعمة البهيجة, هل سنتهي الخلافات القائمة, بين أخوتي, ونسائهم بعد رحيلي, هل سيعم السلام, وتتوقف الكلمات في الحلوق, والنميمة وتسود روح الوئام بينهم جميعا, هل يستطيع أبي أن يأتي بفارسة أحلامه الغائبة, والتي تأبى الظهور, لأني أحجبها عن ذلك الدفء المنتظر, بين أحضان أبي, لكنني سأرحل لعل كل شيء يعود إلى وضعه الصحيح, في عالم بيتنا الصغير, بعد غد تنتهي المهمة, وأبدأ تجربتي الخامسة, وأرجو أن تكون الأخيرة, فلم أعد أحتمل, ولا أقوى للمزيد منها, بعد أاثارها المدمرة كل مرة.