ربما لو وضع إنسان نفسه أمام خصمه في قضية ما أو اختلاف ما, لهدأ من غلوه وثورته, وسكنت عاطفة الكراهية, أو على الأقل ضعفت, فحين تنظر بعين الخصم, أو تفكر بعقله, ربما ظهر لك الكثير مما كان يخفى عنك, وألتمست له حجة فيما يفعل, أو يخاصمك من أجله, لو فكر كل منا في أمر الأخر, لفترت حدة النزاع كثيرا, وتقلصت الخصومات إلى النصف أو إلى نسبة أقل بكثير مما هي عليه.
تتسايق كل جماعة, من أجل إثبات أن هي الإسلام, وما عداها, فهي بدع وضلالات وأنها هي التي تسير على النهج النبوي السليم, كل جماعة هي الإسلام, وغيرها فرق مصيرها جهنم وبئس المصير, وبالفعل كل فرقة هي الإسلام, الدين الطبيعي الذي تلقته النفوس فأمنت به, فليس الإنسان قالب يُصب فيه الشيء, فيصطبغ به وكفى ...
فكل جماعة هي نموذج خاص, ومعرفة محدودة. كأنها وضعت نفسها في حلقة فلا تتعداها, ولا تتجاوزها, ترتبط بمنهج وكتب وطرائق معينة, وتصنع لها طقوس تعبدية وإيمانيات خاصة بها, علامة على نضجها وصحتها, كما تعتقد, كل جماعة لا تعرف عن الجماعات الأخرى سوى القشور, ما تشترك فيه مع معرفة العامة, تحمل كل جماعة روح السخرية والتهوين والتقليل من الجماعات الأخرى, ثم إن معظمهم منفصل عن الواقع, يجهل ما يدور حوله من أمور على مستوى السياسة والاجتماع, هي في معالجته, لا يتحدث عن فكر ومراجعة فكرية, إنما هي أفكار قديمة تتولد على ألسنه يظن أن أرفع ما يعتنق الإنسان من فكر, وهي في الأساس هشة ضعيفة, ولا شك عندي أن كثرة الجماعات, دليل صحة ونشاط في الإسلام, وأن هذا التنوع نعمة كبيرة, فليس الإنسان كما نقول قوالب تُصب فيه الأفكار ليصير أخواني أو سلفي أو غير ذلك, المشكلة الكبرى في عدم تقبل غيرها, في رميه بالكفر والبهتان والتضليل, عدم إيمانهم بالتنوع, بطبيعة الإنسان, وأن كل من يخالفني هو أحمق يسير في طريق الباطل, وأن الوصول للحق ليس له إلا طريق واحد, ما أسلكه, وما أنا عليه, وهذا نفسه حمق شديد, وجهل مطبق, ولا يؤمن به إلا إنسان مطمس البصيرة والبصر, وأن هو نفسه جاهل بنفسه وطبيعته الإنسانية, وأن العالم كله يوما ما سيكون صاحب عقيدة واحدة, وإيمان واحد, هو ما هو عليه وهذه أمر مستحيل, ولا نحب أن يكون يوما ما, حتى لو كان بيدنا السعي إليه, فحتى الجماعات والفرق فيها اختلافات وأراء, فاجتهادك فيما تؤمن به لا يجعلك تسفه اجتهاد الأخرين فيما وصلوا هم إليه.
(اتقوا الله واصلحوا ذات بينكم) هل تقوا الله وأصلاح ذات البين, يجعلني أحملك على ما أعتقد أو تحملني على ما تعتقد, فهذا يثير العداوة أن حملتني على رأي لا أراه أو حملتك على رأي لا تؤمن به, إنما نأخذ من فهم الأية, أن نصلح القلوب, وأن لا نجعل اختلاف الأفكار والآراء, يحمل قلوبنا على العداوة والبغضاء, فيما بيننا, وإذا كان أمر الأتفاق بين الجميع أمر منافي لطبيعة الإنسان وضده, فلابد ألا يكون هذا بذرة للعداوة والضغينة ....