في حياة كل منا ما ينغصها, ما يجعلنا نؤرق, وينتابنا مشاعر قد تفضي بنا إلى شيء من الجنون, أنا الآن ذلك الضعيف الذي يحاول الهروب من عالمه الواقعي, بعد أن خزلته الحياة كثيرا, أرهقته بثقلها, وأراد أن ينقذها, ولكنه لم يفلح, الوحدة قاتلة, وقد ألفها منذ الصغر وجعلته صورة لخيال قديم سرمدي, كان يريد أن يكون إنسان, فلم يجني سوى السخرية ممن هم دونه, وقد لوثهم الطمع والجشع, إني شديد الإكتئاب والحزن, لما أنا فيه الآن حين أتعثر وغيري من أصحاب الضمائر الميتة, والنزعات اللا إنسانية, تحتضنهم الحياة, تلاعبهم وتناغشهم وتدللهم, وتصفعني على خدي صفعات متتالية حتى حفرت أصابعها في وجهي أخاديد, أتصفح فيها رحلة الضياع بكل ألمها في الخطوط المتعرج, التي تبدو على الجبين, إنها قصة كاملة حكايات كثيرة عما جنته, وما دفع من ثمن باهظ من أجل العيش على هامش الحياة, قابلته بكل انتقام ووحشية, في البدء كان الظلام, ولايزال قابع في القلب, قابع في الوريد يسبح في الدم في التيار القادم من الشتاء الدائم, الذي لا ينتهي, أخطو أتعثر في مجاهل الوجود أعمى أصم, تصفعني الأيدي, تجلدني لم يعد هناك احتمال, عشت أمد يدي بالنجاة فتعود فارغة, تتقاذفها الأقدام والأرجل القوية, أغامر بكل شيء وأخسر كل شيء وأتورط وأغرز في الطين, أعيش في الطين, كل ثيابي التي أرتديها عليها أثر الطين, الطين قائم في كل ذيل, في مقدمة الصدر, وعلى الرأس أتجول به أمام الناس, الذين يضجون, ولا أسمع لضحكاتهم صوتا, يتحولون برءوسهم في الجهة الأخرى, كي لا أراهم والبسمة تعلو الشفاة, والتشفي ولا أدري لماذا يتألق في عيونهم, يبدو على ملامحهم كل هذا الحريق الصادر من الصدر, المتفجر منه أركاني المحطمة, ليست لصرخاتي معنى, ليس لشيء أريد معنى أعانق الوهم بصورة كاملة, ليتني لم أكن لم أعد, أهرب مني, لا أجدني أرحل بلا وداع, أتيمم شطر الشقاء, أغرق فيه, يتعين علي أن أواجه, أن أعلن في ثبات ما يؤرقني, ما يجعلني أفقد عقلي ما بين العقل والجنون أتنتهي حياتي إلى هذا, أليس لك أن تعيش كالآخرين, تحاول أن تمضي لما تحب, لما تريد.