بين الباطن والظاهر بون بعيد, نؤمن بأن الظاهر أفضل, وعقيدتنا الباطنية متوقفة جامدة على ما نؤمن به, سلوكنا متناقضة فيما نؤمن, وما نعمل, نؤمن بأن الأساليب التي يتبعها الغرب في نظم حياتهم ومعايشهم هي الأفضل في أمور الدنيا, ومع ذلك لا نسلم لهم بالقيادة, ولا نجهر بالتفوق, وربما نحاربهم بما ابتكرته أيديهم, لنثبت لهم ما نعتقد, ما نؤمن به, إن المقاييس التي نتبعها مضطربة, ذات وجوه مخادعة, نخدع بها أنفسنا قبل أن نخدع به غيرنا, فكأن هذا الاضطراب والقلق فيما نعمل ونعتقد, هو سبب الوبال على حياتنا وفي طرائق تعاملنا مع الأشياء والأحداث, التي نقابلها, فإن التقديس لمعرفتنا السابقة, هو الذي يجعلنا نقف جامدين, كأن مناقشتها والوقوف عليها كفر وجحود ونكران, وإن إعطائها سمت العقيدة والدين وهي بعيده عنه كل البعد, هو ما يجعلنا نؤثر التخلف على أن نبوح أو نهدمها من الأساس إننا نركن إلى الهش الهزيل بعد أن أخذ شكلا مقدسا من القدم والتوريث, لا من الدين والعقيدة, التي نعتقدها فليس للعقيدة والدين يد في هذا ولا في ذاك, وإنما نكتشف بعد ذاك أنها ضد الدين وضد العقل والمنطق, إن الوقوف بالعقل على أفكار معينة وأفكار محددة, هو قتل للحياة وللدين, فليست حياة, تلك التي لا ترى فيها فكر جديد وآرا مستحدثة, وتطور دائم, فالوقوف بها, هووقوف بالزمن والحياة, فليس في الحياة ضرورة أشد من فكر متجدد متطور, وتلك طبيعة الذهن الإنساني, الذي خلقه الله, ولو لم تكن هذه طبيعته, لما كان للإنسان هذه المكانة, ولا وصل لما وصل إليه من علم وحضارة, فالفرق بين أمة فتية, وأمة أصابها الشيخوخة والضعف, هو النمو في الأفكار, فهي تمنحة القوة والبقاء, أما الأخر فلا نمو ولا بقاء, إنما هو الضعف والجمود, الذي يشبه جمود الآلات والجمادات, فلا روح فيها, وتصبح كالجثث الهامدة, التي لا حراك فيها, وليس هناك عقيدة من العقائد التي يؤمن بها الناس, تدعو الى زوال العقل وسكونه, والوقوف بالحياة في نطاق لا تتعداه, وتكون لها صورة واحدة, يرها الإنسان في كل جيل, وفي كل زمن, وتقتل في الإنسان كل حياة.