أولى بالإنسان أن يتصالح مع نفسه, قبل أن يتصالح مع الآخرين, فتصالحه مع نفسه إنما هو خطوة لتصالحه مع غيره, والوقوف أمام عيوبه أولى من وقوفه أمام عيوب الآخرين, ينقد ويحلل ويفند, ثم يلقي أحكامه اليقينية, وهو ممتليء بالفخر, سعيد بنباهته في معرفة النفوس, وتحليل ما بها من عور ونقص, فأمثال هؤلاء الناس, هم أقل الناس معرفة بأحوال النفوس وتركيبها, فما يجهل عنها هو أكثر بكثير مما يعرف, وما يلقي من أحكام أغلبه لا علم ولا معرفة, إنما هو اجتهاد الظن والجهل, وبالرغم من أن هناك أصول ثابته, إلا أن لكل نفس إنسانية شيء من الخصوصية والإنفراد, ولن تكتمل معرفتها أو الحكم عليها حكما صادقا, وفيها جوانب مجهولة, فمعرفة العيب ومجابهته ومعالجته على بينة, ودون أن ينفر الإنسان من مجابهتها, هي ما تجعله يتسامح مع نفسه, ومع الآخرين, حين يرى عيوبهم, ويقف أمامها موقف الحياد, فهو يعلم مقدما أن للناس عيوب, كما أن له عيوب, وأنه لا يخلو إنسان من مثالب, كما لا يخلو من محامد, وإن تفاوتت فيها هذه وتلك.
كل إنسان فيه شيء من الباطل, من القصور, فإذا حاول الإنسان أن يبدو دائما ذلك الملاك المجنح, الذي لا يخطأ أبدا, أدى به ذلك إلى الوقوع في الكذب والتملق, كي يداري هذا الخلل أو القصور من ناحيته, وتكون هي بداية الكارثة, إذ تتبعها أخريات من الأكاذيب, وحتى يهوي بنفسه, وتكون طبيعة أكتسبها, وصارت علامة عليه, وجزء منه, وبدلا من أن يكون خير, يعتريه بعض النقوص, يصير شرا يتخلله بعض نوبات الخير, وتنقلب الأية وتصبح حياته مسلسل من الخداعات لنفسه قبل غيره.
إن الصادق الحقيقي, هو من يقف أمام نفسه معاتبا, إذا ما أعتراها خطأ, ويصدقها بذلك, كما يقف أمام أخطاء الأخرين بل يكون أشد على نفسه من شدته على الأخرين, فالنفس الصحيحة أولى بعتاب نفسها وتقييمها ونصحها وتوجيهها ذلك, حق أوجب على الإنسان تجاه نفسه, أن يقف منها موقف المربي والمصلح, وإنك تسيء إلى نفسك, عندما تقوم بتصحيح أخطاء غيرك, والتنويه عليها, في حين تغفل عن نفسك وتنام عن أخطائك.