حين يصير للفساد أنياب, تنهش في الحق, عندما يكون له جيش من الأعوان, ومنعدمي الضمير, ويكون له جذور ضاربة في أعماق المؤسسات والهيئات, ويصبح له عالمه وقوانينه, ومبادئه المزيفة, وأفكاره الغارقة في العطن, ويستوحش ويدهس بأقدامه القيم الإنسانية, وحين تصيب سهامه منافذ القلب والروح, وتضرب بسياطها على جسد الأمة, فلا بد أن نغير المفاهيم, ونعطيها معناها الحقيقي, وتكون واضحة جلية, ونلبسها ردائها المصنوع من أجلها, لا لبس فيه ولا ألتباس, إن القاع قائم على قاعدة عظيمة من الدمار النفسي والخلقي,, وقد تسرب الفساد, في كل خلية من خلايا الأمة, لا بد معها من تطهير عظيم, ومن تكاتف أعظم, من استعداد قوي, من الأفكار والمباديء والقواعد الصحيحة, والأصول التي نبي عليها عالم أفضل, أن تكون للقوانين والمساواة والحرية, اليد العليا, والكلمة الأخيرة, إن القوانين التي تحركنا, هي قوانين العرف السائر, الكل يعلمها ويعمل بها, ولكنه لا ينطق بكلمة منها, إن الضرر القائم, والمتحكم فينا هي تلك القوانين, التى نحترمها ونقدرها, ونعمل بها, قوانين غير مرئية, معترف بها, بين العامة والخاصة, وكأنها عقيدة, فهل ستكون هناك نهضة بجسد معطوب, يملأ أرجاؤه الخلل والمرض, وعقله مصابة بالعنجهية الكاذبة, الإصلاح لا بد أن يكون من الداخل, من داخل الإنسان, وهو الخطوة الأولى, وهو ما يجب أن نعول عليه, ونركز كل إهتمامنا به, فهو بمثابة القاعدة التي يقوم عليها البناء الصحيح, وإذا اهملناها, فسوف ينهار, وبعد سنوات يصير ركاما تذروه الرياح, وينفجر يلقي بأوبائه وصديده, وينتشر كالطاعون, لا يبقي على احد, وينزل بنا دركات بعد دركات, فنحن نحتاج إلى تطهير, غسيل نفوس وأرواح, بناء قائم على قواعد صلبة, لا تتزعزع, هذا ما نريد, فالفساد لن يزول بين يوم وليلة, ولا بد أن نعمل جاهدين على أن ينكمش عام بعد عام, فزوال الفساد, بمحاولة إضعافه, تحتاج إلى شحذ نفوس حية, تعي وتفكر, وتقارن وتختار, تستطيع أن تفصل بين الغث والسمين, على بينة وحقائق, لا على تقاليد توارثتها, وعاشت تمجدها قرون, أننا لن نستطيع أن نحيي نفوس ميتة, لا خير فيها, إنما هي جيف, تنبعث منها روائح كريهة, تفسد الهواء, وتفوح منه رائحة العفن, لا بد من نهضة في الصميم, وفي العمق, أن نصلح العقول قبل إصلاح الأجساد, وأن نصلح الأذواق, قبل أي إصلاح أخر, فالفساد الغائر, الذي منبعه النفوس, هو الذي ينهك أي إصلاح, ويقف في مواجهته متحديا لا يبالي على شيء.