أريد أن أقهر ذلك الضعف, الممتد بجذوره إلى أعمق أعماق قلبي, أريده أن يثور, يتكلم ويلقي بصرخاته, أريد أن أهدم كل السدود, التي أقمتها, خوفا من البوح, خوفا من الصرخات, أن يسمعها غيري, فأتفتت في ذرات الهواء, أتناثر في الأجواء. إن الأقدار ساقتني إلى كل شيء لا أريده, وأخاف منه, ولكنه كان في خيالي وعقلي رابضا, أسد شرس يتربص بي, وينتظر اللحظة الحاسمة للإنقضاض, إن الهروب منه أشبه بالعبث, إلى أين؟ وأنا على مرمى بصره, وليس لي من القوة ما يسعفني بأن أنجو منه, أفر إلى حيث البقاء على قيد الحياة, لم أترقب إلا النهاية المؤسفة, الفتك بجسدي, كما فتكت بروحي, فالفناء الداخلي, الذي ذهب بروحي, جدير بالانتشار والإتساع, ليبتلع الباقي مني, يبتلع كل شيء بداخلي, ويخلف شيئا جديدا غيري, يبقى ويستمر, ويتوغل في الأخرين, ويجد له مساحات كبيرة في أنفسهم, , كانت علامة قاهرة قوية, في تأثيرها الممتد, كم ألمني ما أنا عليه الآن, ويؤلمني دائما ما بقيت على الأرض حيا, وينبض في قلبي نبض. ها أنا الأن وبعد أعوام كثيرة, لم يبقى مني إلا كراكيب وأشواك وعلامات وجروح تستغيث, تصرخ في كل وجه, كم أنا ضائع وصائر إلى فناء, أعيش بلا رغبة كل ما حولي, يستسصرخني, وحين أهم بالصرخات المدوية اتلاشى.
كان السفر طويل, والرحلة شاقة, تعبت حملت كل متعلقاتي في بهجة صغيرة, حملتها على كتفي, وبدات خطوات الأف ميل, تعفرت قدمي, وكانت ثقيلة للغاية, تحفر قدمي في الأرض وتدب, طاردني المرض والإرهاق, وعانيت من كل شيء, الصمت والوحدة والاكتئاب والحزن, قلت أستريح بعد عدة أميال, ولكن لا فائدة؟
العطب لحق بي, وبجوارحي وبروحي, أهيم في حلقات, أذكر, وأسكر, وألتف حول نفسي, رأسي يدور ويدور, تختلج أنفاسي تحتبس, الغبار المتساقط في أوردتي يملأ روحي مرارة في الحلق, غصة قوية تهاجمني, أبتاع الوهم, أطوف بالعذاب, أتربع على عرش الضياع, أهاجر بثيابي الممزقة, مهلهل النفس, مهلهل الروح, أتسآل كيف صرت, كيف أبدو؟ يصيح الوجود, يغرد بصوت الناي الحزين, يستنجد كالغريق, في بحر الرمال, التي تمتد إلى الأعماق, لتبتلعني في صمت,