لك أن تدور في فلك هذا الرجل, فتأخذ بنصيب وافر في فهم الحياة, فهما عميقاً جامعاً غير منقوص, إشارات مقتضبة, تفي بالغرض, ثم إسهاب مدهش عجيب, في التفسير والتحليل, الذي يكشف لك عن طبائع الأشياء, كان العقاد طراز نادر في تناوله للحياة وفهمها, وكشف ما ألتبس عليك من خفاياها, كل ما يكتب فيه من موضوعات, لا يخلو من فكر فلسفي عميق, حتى وأن تحدث عن اللعب والضحك, حتى في نكاته وضحكاته, لا تخلو من علم وأدب وتربية, كان رحمه الله, نموذجاً فريداً في كل شيء, ويحتاج إلى مئات الدراسات, التي تتناول فكره وإبداعه وأدبه وفلسفته, ولا مبالغة إذا قلنا إنه أعظم من كتب باللغة العربية, في فنون كثيرة, وفي تناوله لمجريات الأمور والأحداث, وله أراء في نواحي الحياة المختلفة, تدل على فهم عميق, ووعي دقيق بالحياة, فقد فكك لنا بنية الإنسان النفسية والعقلية, وطبيعة الحياة, بعقله وفكره, وطرق بها طرق, لم يطرقها كاتب قبله, فكان عقلا جبارا ضخما, في تناوله وعرضه ونظرته للأشياء.
فقد كانت حياته, جهادا متواصل, وفكر متجدد, وعزيمة لا تفتر, آمن بالله وبالعالم وبالإنسان, فكانت دعوته للحق والجمال والحرية, راسخة في فكره وقلبه وضميره, خاض من أجلها, حروب وثورات وفتوحات, في عالم الفكر والأدب, وقف صلبا في مناصرة الحرية والحق والجمال, ضد رياح التأخر والجمود, والتقاليد البالية, لم يدخل معركة, من معاركه الفكرية والأدبية والعقائدية, إلا خرج ظافرا منتصرا, بقوة حجته, ومنطقه السديد.
في ذكرى العقاد, يجب أن نقدم تحية إجلال وتقدير, ووجب على كل أديب, وشاعر وسياسي وناقد وباحث وفيلسوف ورجل دين, أن يقدم تلك التحية, لرجل أثرى بعقله وقلمه, كل هاتيك الميادين الإنسانية والفكرية.