وصلت الطائرة إلى جوهانزبرج الساعة الرابعة فجرا عندما زرت جنوب أفريقيا أول مرة منذ أعوام طويلة.. الناس في المطار شبه نيام وعلى وجوههم سكينة ورضا... لقاء الناس الطيبين مسح في لحظة عناء الرحلة الطويلة..لم أتوقف أمام خطأ في المشهد العام أو الكلام... ورغم التعليمات المشددة بأن أتوخى الحذر في جولاتي الشخصية المفتوحة، لم يصادفني أي شيء يدعو للحذر أو الخوف في جوهانزبيرج أو بريتوريا.. شعب طيب معظمه من السكان الأصليين مكافح يؤمن بالحرية وحقوق الإنسان المشروعة وأقلية من البيض والهنود تفكر في الالتحاق به عن قناعة وضرورة حتمية .. لكنهم جميعا يلتفون حول زعيمهم الملهم نيلسون مانديلا بوصفه رمزا للحق (والعدل) والحرية .. رجل قضى في السجن نحو ثلاثة عقود رفض خلالها إطلاق سراحه أكثر من مرة مقابل أن يتنازل عن مبادئه ..( الحرية للأفارقة ونبذ الفصل العنصري وإنهاء سيطرة الجنس الأبيض على البلاد ).. وعندما خرج من السجن وأصبح رئيسا لم ينتقم من جلاديه... وكأن المشهد السمح الذي إنطبع في ذهني بالمطار فجر يوم الوصول إلهام من زعيمهم نيلسون مانديلا.. عندما تلتقيه يجبرك على التخلص من كل قواعد المراسم .. كان الرجل بطبعه بسيطا وديعا وهو يتحدث، لم تفارق الإبتسامة وجهه إلا عندما يستعيد الذكريات المؤلمة لزمن الإستعمار في بلدان القارة السمراء .. ولم يكن هاجسه الوحيد بلاده وإنما كل بلدان العالم النامي التي دفعت ثمنا باهظا من أجل حريتها وسيادتها على أراضيها ومنها فلسطين.
لذلك،
شاهدت بالأمس روح نيلسون مانديلا ترفرف راضية على الحضور في محكمة العدل الدولية.