عدنا وأتمنى أن يكون العود أحمدا ولا يثير حفيظة البعض فيعيد حجب الصفحة او محاولة العبث بها.
حضرت من قبل ثلاثا من فعاليات الإتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ وأستطيع القول إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن، حاضرة أو غائبة، متحمسة لنتائج تلك الفعاليات وربما تجاوزت ذلك إلى الانسحاب من إحداها منعا للحرج. فمن المعروف أنها والصين تشاركان بنسبة ٤١ في المائة من أسباب الإحتباس الحراري لكوكب الأرض ولن تستطيع أي واحدة منهما منعه أو حتى التخفيف من حدته في المدى المنظور.
لكن هذا لايمنع أن يسجل الرئيس الامريكي حضوره في محفل شرم الشيخ لأسباب أخرى غير المناخ وسنينه .. أسباب معظمها سياسي إقتصادي لملء الفراغ بعد محنة الحرب الروسية الأوكرانية وما خلفته من شكوك حول مشروعية الريادة الهشة لتحالف النيتو الهزيل من ناحية ومحاولة استرضاء العرب للخروج من أزمة الطاقة بأقل الخسائر من ناحية أخرى. القضية في نظري (بصرف النظر عن شخص الرئيس الأمريكي وانتمائه الحزبي) تكمن في تشبث أمريكا بدورها التقليدي الذي تعتبره( مهما كانت الظروف السياسية ومهما عانى كوكب الأرض من عوامل التخريب) حقا مكتسبا في ريادة العالم بعد الحرب العالمية الثانية .. لأنها كما قلنا من قبل في مناسبة أخرى:
* هي التي أنهت الحرب بجريمتي هيروشيما ونجازاكي
* وهي التي دعت لمشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا
* وهي التي تبنت فكرة إنشاء منظمات الأمم المتحدة المتخصصة لمحاربة الفقر والجوع بعد الحرب ..
* وهي جغرافيا حلت محل الدول (العظمى) التي انكسرت أمام المد النازي بل وأصبحت الضامن الوحيد لأمنها وسلامتها طوال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي منذ انتهاء الحرب وحتى مطلع التسعينات.
وبالتالي أصبحت الدول (العظمى) بل والعالم بأسره مدينا لها طوال عدة عقود عندما بدأت في تطبيق وصية ميراث الإمبراطوريات الأوروبية القديمة التي وضعها الآباء الأمريكيون المؤسسون .
لكن لكل قوة عظمى بحكم الطبيعة وتغير الأحداث ومزاج الشعوب وصحوتها مدى زمنيا لا تتجاوزه في دورة الحياة .. وبالنسبة لشرقنا الأوسط فلا أظن بعد كل ما حدث من تخريب ودمار في أعقاب ربيعهم العربي أن الفرصة مازالت سانحة لأطماع الكبار في ثروات البلدان المستضعفة لاسيما بعدما لحق بها الدمار والفوضى والتخريب المتعمد وبعدما إنكشف ستر النظام العالمي الجديد وبانت عورات نظامه وفشله في الخروج بالعالم من سجن الجائحة الفيروسية على مدى عامين ومن آثار الحرب بين روسيا من جهة وبين أوكرانيا والغرب من جهة أخرى ..
أما محاولة الربط بين زيارة السيد بايدن وبين دعوة بعض الجماعات الدينية أو استقوائها بساكن البيت الأبيض (الديموقراطي) لإحياء مشروعها مرة أخرى فهذا شطط لا مبرر له ولا معنى لأن المنطقة العربية الآن (وخصوصا مصر) ليست كما كانت أيام تولى الإخوان الحكم وأجبروا على تركه في عهد السيدين أوباما وبايدن نائبه.
والسيد بايدن ليس من السذاجة لكي يزج بنفسه ويورط نظامه في أتون معركة (هي بالقطع خاسرة) بين جماعات الإسلام السياسي التي لم تنجح في أول تجربة عملية لها وبين مصر الدولة الراسخة الآن مكتملة الملامح التي دخلت ضمن العشرة الكبار في تصنيف قدرتها على الريادة والردع في محيطها الإقليمي.. كما أن السيد بايدن لا يستطيع عمليا ولا حتى أدبيا أن يستعدي أطرافا دولية فاعلة في نصف الكرة الجنوبي أصبحت ذات شأن كالهند والصين والبرازيل وحتى بعض دول أوربا وروسيا التي لن تقبل بعد الآن أن تكون مجرد متفرج على أحداث عالم يعاني ويلات المؤامرات القذرة والكساد الإقتصادي وشطط الجماعات الدينية المتطرفة وهي جزء أصيل فيه. خصوصا وأن الإدعاء الزائف بحراسة أمريكا للأمن والسلم الدوليين أصبح مكشوفا لا تنطلي أسبابه على أحد بعد أن اشتعلت كل الجيوب الساخنة على الأرض بوقود الإرهاب والصراع العرقي والديني والاقتصادي والحروب التكنولوجية والبيولوجية وسباق التسلح المستمر ومحاولة تقسيم مناطق النفوذ للإستعمار القديم وكأن الأرض بسكانها باتت ملكية خاصة لغزاة الأمس واليوم..
أخيرا وفي رأي الشخصي وبعيدا عن أي ربط أو ارتباط بين الزيارة وبين الحادي عشر من نوفمبر فالسيد بايدن سيأتي ( بتوصية خاصة من المحفل السياسي الصناعي المستتر) لكي يقرأ (مجرد قراءة) خطاب صناع القرار الأمريكيين عن أسفهم لمشكلات الأرض وتمسك العرب لأول مرة بسيادة قرار الطاقة وعن بوادر هزيمة الناتو في أوكرانيا ومخاطر التحدي الأعظم للصين في تايوان.. كل ذلك ذرا للرماد في العيون .. لا أكثر .
.