كنا إلى وقت فريب نتحاور ونطيل الحوار حول ظاهرة الطلاق لأتفه الأسباب ، وطال الجدل حول الأسباب والعلاج ، ومنا من انتصر وبشدة لإصدار تشريع يقضي بعدم وقوع الطلاق إلا موثقا ، تقييدا للطلاق الفوضوي من جهة ، وحفظا لحقوق الزوجات والأبناء من جهة أخرى ، عموما ليس هذا بموضوعنا الآن .
………………
المهم هو أن الجدل والحوار المجتمعي طال بيننا حتى سئم الجميع ، والحقيقة أننا فشلنا في إبجاد حل واقعي لاأقول لفوضى الطلاق ، ولكن لتفاقم المشكلات الزوجية نتيجة الخلل الواضح البين ، الذي اعترى مسار العلاقات الزوجية في مجتمعاتنا ، خاصة فيما يختص بتنظيم السلطة داخل مؤسسة الأسرة - القوامة - بعد أن مارسها الرجل المسلم في صورة استبداد مطلق ، وهو مارفضته المرأة العصرية تماما ، ولذا صار الزوجان في عشهما الذي من المفترض أن يكون هانئا هادئا ، يتصايحان ويتناقران كالديكة ، إذا تلفط الزوج بلفظ لايرضي ردته له الزوجة بعشرة أمثاله أو تزيد ، وإذا مد يده مدت يدها ، وإذاركل ركلت ، وإذا خربش خربشت ، وإذا هرول إليها فتوهمته شروعا في قتلها قتلته بالفعل .
واستيقظ المجتمع كله على ظاهرة الزوجات الكيوت القاتلات ، والأزواج القتلة من أبناء الذوات ، وجميع القتلة والقاتلات مشهود لهم بالخلق والاستقامة ، ياللكارثة !!!!
———————————-
هذه هي نهاية الخطاب التحريضي ممن يطلون على بيوت الزوجية من الشاشات ، اللواتي يسمون أنفسهن - أو أنفسهم - بخبير العلاقات الزوجية ، وخطابهن سم زعاف ، ونصائحهن تخرب البيوت العامرة ، لأن معظمهن مطلقات خريجات بيوت خربة بالفعل .
لم أسمع من واحدة منهن يوما كلمة واحدة فيها توجيه خلقي نحو الصبر والتحمل والرضا وضبط النفس والتغافل عن الصغائر وضرورة احترام كل من الزوجين للآخر ، وأن لاينسيا وقت الخصومة والغضب مابينهما من فضل ، مصداقا لقوله تعالى " ولاتنسوا الفضل بينكم " وإنما يأتي حديث هؤلاء الخبيرات في معظمه حديثا محفز ا لكل طرف إلى ضرورة التمسك بحقه وعدم التنازل عن شيء منه أبدا ، وجرحرة المقصر وخاصة إذا كان الزوج إلى المحاكم وهلم جرا …
مع أنه من المعلوم أنه لايمكن لحياة زوجية أن تهنأ وتستقر دون مراعاة لمقام الفضل ، حتى وإن تحقق العدل التام ، فتنازل كل طرف داخل مؤسسة الأسرة عن بعض حقوقه ضروري كي تسير سفينة الأسرة في مجراها الطبيعي بسلام وهناء .
————————————-
وأتحدث بكل وضوح : أمهاتنا وجداتنا لم يكن متعلمات ، لكن نجحن في إدارة بيوتهن بمهارة فائقة وحنو وإنكار للذات بالغين ، فأنتجن أجيالا مشرفة رائعة ، وآباؤنا وجدودنا حتى من لم يفك الخط منهم كانت كرامته تطاول السماء ، ولم تمتد يد واحد منهم يوما إلى مال زوجته يتسلط عليه ، بل وكان الموت أهون عليه من ان بأكل من كد زوجته ويجلس هو عاطلا ، كحال بعض من يسمون أنفسهم بالرجال اليوم ، حتى وصل الحال ببعضهم إلى التطاول على زوجته بالضرب لتأتي له بالسجائر من كدها .
هل مثل هذا يسمى رجلا ؟
كما لم تعرف بيوتنا قديما رجلا ممن يمكن أن يسمى اليوم بخيال المآتة ، لأنه وبكل بساطة تنازل لزوجته عن كل مهامه داخل الأسرة : النفقة والتربية والرعاية والملاحظة ، إلا شيئا واحدا وهو السلطة ، ويتبجح بأن هذا هو حقه بنص القرآن الكريم ، حين قرر له حق القوامة .
كيف يا سيدي ؟. هل تعي مامعنى القوامة ؟
————————
القوامة مشتقة من مادة قوم التي اشتق منها اسم الله القيوم ، قيوم السماوات والأرض ، أي القائم على حفظهما وتدبير أمورهما ولاتأخذه سنة ولانوم ، ويمسك السماوات والأرض أن تزولا . أفهمت لماذا أطلق القرآن الكريم على دورك في أسرتك مسمى القوام ؟
أين هذا من ممارسة الاستبداد والتسلط والقهر ، وماالعلاقة الرابطة بينهما ؟ لاشيء على الإطلاق …..ولاأدري من أين أطل علينا هذا الانحراف الدلالي بالكلمة لتخرح عن معناها وتفرغ من مضمونها على هذا النحو المشئوم ؟ الأمر يحتاج إلى أساتذة متخصصين في علم النفس والاجتماع للرصد والتحليل قبل الشروع في المعالجة ، ولن تنجح قوانين الدنيا كلها في إصلاح منظومة الأسرة إذا فسدت التربية واختلطت الأدوار وتناطح الزوجان !! لأن بعد التناطح لن يكون سوى التقاتل ثم القتل . ألا قد بلغت وحسبي الله وكفى .