ماذا عن واقع قبول أهل الاختصاص الديني للمرأة كفقيهة مجتهدة في مجتمعنا ؟
أتحدث هنا عن الواقع العملي ، وليس عن الكلام والشو الإعلامي ، الذي يملأ به كثير من أهل الاختصاص الأجواء صخبا وكلاما كثيرا .
بمعنى : حاول أن تتبع أجوبة المتحدثين في الإعلام - بتنوع وسائله - عن المرأة ومكانتها الفقهية الاجتهادية في الإسلام ، حتما ستجد الجواب بأن ذلك أمر مشروع بل وهدف من أهداف الشريعة في نفي التمييز الإنساني بينها وبين الرجل ، وكيف تحقق ذلك فعليا عبر العصور في تاريخ حضارة المسلمين الطويل ، مع سرد عشرات الأمثلة في ذلك ، بدء من أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها الفقيهة الأبرز بين جيل الصحابة رضوان الله عليهم وإلى يومنا هذا ، يقولون ذلك اتقاء موجات السخط الاجتماعى التي يعلمون يقينا أنهم لاطاقة لهم بتحملها ، إذ ربما تخلعهم من أماكنهم خلعا .
………………..
أما في الجلسات الخاصة فلكم سمعت : ماللنساء والاجتهاد في الدين ؟ يخلوهم في أمر الطبيخ والعيال !! لو كان الأمر بأيدينا لمنعناهن من ذلك !! انظروا ماهن عليه من ضعف علمي !! فإذا ماأنكرت ذلك وتحدثت بلغتهم عن بعض النماذج التاريخية التي يذكرونها في كلامهم الإعلامي ، يكون الجواب : كان هذا قديما ، فإذا ماأتبعت ذلك بسرد بعض الأسماء المعاصرة التي مارست الاجتهاد فعليا وكان لها حضورها الفاعل واجتهادها المميز في مصر وغيرها ، فأكثر ما يمكن أن يقال في هذا وعلى مضض : هذه حالة استثنائية لايقاس عليها .
…………………
المثير للضحك أن جمعتي جلسة بإحدى المتخصصات في الفقه تسألني عن أبحاثي السبعة التي كتبتها في تحديد الفكر الفقهي ، فقلت لها حاضر لك نسخة منها ، ثم داعبتها قائلة : إن شاء الله تضيفين إليها وننتظر ذلك منك ، فردت ! هذا لايمكن ، فسألتها ببراءة ، ولم ؟ قالت : لأنه شأن لاينبغي أن تخوضه المرأة ؟ فغضبت لكلامها جدا ، وقلت لها ولم إذن تطلبين أبحاثي ؟ فأجابت: أنت حالة استثنائية????
لاأدري لماذا شعرت بأن هذه الجملة لم تصدر عن صاحبتي هذه بقناعة تامة ، وأنها إما أن تكون قد رددتها كما سمعتها من أشقائها الذكور ، وإما أن يكون طلبها لهذه المجموعة البحثية فقط لتتصيد منها مايمكن أن تثبت به لنفسها أن المرأة لاتستطيع ، ولايمكن أن تستطيع .
المشكلة إذن أكبر من الذكور ة والأنوثة ، إنه الموروث الفكرى المشوه الذي نصر على أن نقيم عليه عاكفين. حقيقة أصبحت لدي قناعة تامة بأن الرجعيين من الموتى هم الذين يحكمون الأحياء !!!
………………..
ولكن لكل قاعدة استثناءاتها ، فهناك عدد غير كبير من أساتذتنا ومشايخنا قد طهر الله نفوسهم وقلوبهم فعليا من هذه السلوكيات التمييزية البغيضة ، فهم يدعمون المرأة ويسعدون حقيقة بوجودها إلى جوارهم ، لهؤلاء الأفاضل مني كل التقدير والاحترام !!