فسعة الرزق رهينة بكثرة التصدق والإنفاق في سبيل الله .
ومفهوم التصدق في شريعتا يمتد ليشمل كل مايبذله المؤمن مما أنعم به الله تعالى عليه من نعمه الظاهرة والباطنة ، ولذا كانت أبواب التصدق رحبة برحابة هذا الدين، وكان في مكنة كل واحد منا أن يخرج من يومه وقد تصدق بصدقات كثيرة ، وفي مجالات شتى تقال بها عثرات المكلومين والمحزونين والضعفاء والمرضى ، كما تقال عثرات الفقراء والمساكين والمحتاجين ، وكلها جاءت بها الأحاديث الشريفة الصحيحة منها :
- قوله صلى الله عليه وسلم "الكلمة الطيبة صدقة " يعني مجرد كلمة تقولها تقصد بها جبر خاطر إنسان جريح النفس أوالشعور ، تعيد بها ثقته لنفسه أو ترفع بها عنه انكسارته وجرح كرامته ، هذه الكلمة صدقة لك عند ربك ، بل ومن أعظم أبواب الصدقات وأزكاها وأرفعها ، ومثلها كلمة تقولها تدخل بها البهجة على نفس حزين أو مكلوم ، أو تنشط بها من همة كسول أو جريح أو نحو ذلك .
-وقوله صلى الله عليه وسلم " إفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة " يعني أن تفرغ لإنسان قليلا من الماء من دلوك لدلوه ليشرب أو ينتفع ، ويقاس عليه الطعام من صحفتك لصحفته ، وكذا كل مايقيم أود إنسان مما يفتقده أو لايملكه ، هو كذلك لك صدقة .
-وقوله صلى الله عليه وسلم " تبسمك في وجه أخيك صدقة" يعني مجرد ابتسامة تقصد بها إدخال السرور والبهجة على قلب إنسان ، هذه من الصدقات التي تدخر لك عند ربك …
والواقع يثبت أنه كم أنقذت ابتسامة صافية إنسانا من الضيق والاكتئاب والفشل والإحباط ، فالابتسامة آية التودد وتعمل عملها في القلب ، ولذا كانت صدقة وقربى وعبادة وأجرا .
-وقوله صلى الله عليه وسلم " حتى ماتضع في في امرأتك " يعني لقمة صغيرة يضعها إنسان أو إنسانة في فم آخر وليس بالضرورة أن تكون من زوج لزوجة ، ولكنه صلى الله عليه وسلم ذكر الزوجة تحفيزا للزوج على التماس مداخل التودد والتحبب إلى زوجه ، وإشارة إلى كونها أولى الناس بمعروفه وتودده .
-وقوله صلى الله عليه وسلم " وفي بضع أحدكم صدقة "يعني العلاقة الزوجية حين تتم بصورة هانئة ورائقة ، هي كذلك من الصدقات ، لأنها تدخل البهجة والهناءة على نفس الزوجة إذا تمت على هذه الصورة ، وروعي فيها وقت نشاطها وراحتها واستعدادها البدني والنفسي ، لاأن تكره عليها إكراها وتجر إليها جرا وهي مرغمة ، تحت دعوى أداء حق الزوج ، وأنه يجب أن يتم وقتما يشاء وتحت أي ظرف .
-وقوله صلى الله عليه وسلم " تعين صانعا أو تصنع لأخرق " يعني: حين تصادف إنسانا تضخمت عليه أعباء العمل فتساعده على إنجاز مهامه ، أو تراه غير قادر على العمل لعجز أو مرض فتعمل أنت له ، أو تكفيه النفقة والإعالة احتسابا وأجرا لعجزه عن العمل ، هذه كذلك صدقات مدخرة لك عند ربك .
- وقوله صلى الله عليه وسلم " وتميط الأذى عن الطريق صدقة " يعنى التقاط أي شيء من الأرض يؤذي المارة ولو معنويا ، هذا أيضا من الصدقة إن تم بهذه النية .
وفي المعنى نفسه ورد عنه صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح " رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس " رواه مسلم .
- وقوله صلى الله عليه وسلم " في كل ذات كبد رطبة أجر " يعني في كل معروف وخير تبذله لكل ما فيه حياة من العوالم الأخرى كالطيور والحيوانات صدقة ، كطعام تقدمه أو شراب أو مداواة أو تخفيف ألم، أو إحسان معاملة لما يركب منها ويستأنس .
وأذكر بأنه قد دخل الجنة رجل بسقياه كلبا رآه يلهث يأكل الثرى من العطش ، ودخلت امرأة النار في هرة حبستها ، كما جاء في الصحيح .
ومن عجيب أبواب الصدقات قوله صلى الله عليه وسلم لمن لايجد مايتصدق به " أمسك شرك عن الناس فتلك صدقة منك على نفسك "
يعني مجرد حبس الشر والأذى عن الناس هو من الصدقة ، ولو لم يصنع هذا الإنسان معروفا مع أحد .
ومن الأهمية بمكان أن تتربى داخلنا ثقافة أن من يصنع معروفا ، فإنما يصنعه لنفسه في الحقيقة ، فالله تعالى غني عنا وعن تصدقنا ، ولكنه سبحانه أراد تزكيتنا وترقية مشاعرنا وأحاسيسنا ، وقرن ذلك بالإنفاق في سبيله ، فكل شيء يزكو بالإنفاق ، ليس المال فقط ، ولكن العافية تزكو بالإنفاق ، والعلم يزكو بالإنفاق ، ومثلهما الطعام والشراب وسائر ماينفق .
بل علمنا مشايخنا وأئمتنا من أهل العرفان : أن من الأرزاق مايحبس عن العبد حتى يتزكى بإنفاق شيء مما عنده ، فيرتد إليه أضعافا مضاعفة .
وهو معنى صحيح يؤيده قوله تعالى " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم " وقوله تعالى " وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين "
التصدق والرزق إذن متلازمان .