هناك خلاف طويل دار بين المعتزلة والجمهور في مسألة : هل يكلفنا الله تعالى بما لانطيق ؟
الجمهور قالوا نعم : وهو جائز عقلا ولكنه غير واقع شرعا .
أما المعتزلة فقالوا لا : فالله تعالى لا يكلفنا بما لانطيق ولايستقيم هذا القول مطلقا مع العدل الإلهي .
وهذا الخلاف ظل محكيا تتناقله الكتب لقرون ، وكل ينتصر لأهل مذهبه ، إلى أن جاء الشاطبي الأصولي الغرناطي من علماء القرن الثامن الهجري ، فخاض هذه المسألة خوض الجسور وليس الجبان الحذور ، وانتصر لرأي المعتزلة مع أنه سني التوجه بشدة ، ويكفي كتابه الاعتصام وتصديه فيه بحزم للمبتدعة من أهل الفرق المختلفة ، مبينا حكم البدعة وأنواعها وسوء منقلب أهلها .
أعود فأقول : في جمل قصيرة ذهب الشاطبي رحمه الله يفند قول من يقول بجواز أن يكلفنا الله بما لا نطيق، منطلقا من قضية أخرى مسلم بها أو لاخلاف حولها، وهي أن الشريعة لا يمكن أن تناقض قضايا العقول ؟ يعني لايمكن أن تخاطبنا الشريعة أو تكلفنا بما لاتتقبله عقولنا ، إذ أراد الشاطبي رحمه الله أن يبين من خلال هذه القضية المسلم بها موقفه من القضية الأخرى المختلف فيها ، لأنها فرع عنها ، فإذا سلم المخاطبون بالقضية الأم ، وجب أن يتخذوا الموقف نفسه من القضية الفرع .
———————
يقول رحمه الله : لايمكن أن تنافي الشريعة قضايا العقول، لأنها لو نافتها لم تكن أدلة للعباد على حكم شرعي ، لكنها أدلة باتفاق العقلاء فدل على انها جارية على مقتضى العقول ، ثم يقول ولو نافت الشريعة مقتضى العقول لكانت تكليفا بما لايطاق ، والله تعالى لايكلفنا بما لانطيق ، لأن هذا أمر لايتصوره العقل ولايقبله ، ولهذا ارتفع التكليف عن المجنون والطفل .
——————
ثم يتابع : والشارع لم يقصد في تكالبفه نفس المشقة والا لما فتح باب الرخص ، وتكاليف الشريعة لم تخرج قط عن معتاد المشقات ، يعني هناك بعض المشقات في التكاليف ولكنها لم تخرج عن حدود الطاقة البشرية المعتادة ، ومع ذلك فإن الشارع لم يقصد من التكليف بها قط نفس المشقة ، ولكن يقصد إلى مافيها من مصالح عائدة على المكلف ، ولذا فإن قصد المكلف إلى المشقة باطل .
يعني من يعمد من المكلفين إلى عبادة معينة فيفعلها لأجل مافيها من المشقة ، فقصده هذا باطل وعبادته باطلة ، لأنه مضاد لمراد الشارع من التكليف .
كلام موزون موزون !!! والأهم هو شجاعة الرجل في إبداء رأيه ، وإن وافق المعتزلة وخالف أهل مذهبه ، في وقت كانت موافقة المعتزلة في رأي من آرائها خروجا عن الإجماع ، أو مروقا من الدين ، وما أظننا تزحزحنا عن هذا الاعتقاد إلا قليلا ، أو قليلا جدا .