هذا هو عنوان كتاب مهم جدا من تأليف العلامة الكبير اد محمد الجليند أستاذ الفلسفة الاسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة .
والأستاذ الدكتور محمد الجليند جدير بأن يهتم بمؤلفاته في تخصص العقيدة والفلسفة الإسلامية ، والتي أربت على الخمسين مؤلفا ، صدر منها عشرة مؤلفات ضمن سلسلة تحمل عنوان" تصحيح المفاهيم"
ومن يقرأ الأستاذ الجليند يدرك بوضوح أن سيادته صاحب مشروع فكري كبير ورؤية مستنيرة ، يقف وراءها عقل أكاديمي مفكر مهموم بقضايا عقيدته وأمته، خاصة مايتصل بذلك الشقاق العقدي الذي شتت كيان هذه الأمة ، حتى أسلمها إلى حالة من التمزق يرثى لها .
ولذا نجد أستاذنا الدكتور الجليند يلح في مؤلفه هذا ،وربما في سائر مؤلفاته على فكرة تقبل الخلاف،وحسن الظن بالأئمة المجتهدين ، واعتبار المقصد الطيب الذي كان يقف وراء أفكارهم واجتهاداتهم ، فالكل يثبت لله كل كمال يليق به ، وينفي عنه كل نقص نزه سبحانه نفسه عنه في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، لكن اختلفت مناهج الإثبات والنفي حسب مافهمه كل منهم لمعنى الكمال ومعنى النقص الذي جاءت به النصوص .
ثم يقرر أن المعتزلة في مذهبهم العقدي والفكري ماهم إلا موحدون ، حاولوا تنزيه الله تعالى عن مشابهة الحوادث وإثبات الكمال المطلق له سبحانه ،فسلكوا طريقا معينا في إثبات هذه الحقيقة رأوها توصلهم إلى مبتغاهم ، وفي المقابل فعل الشيء نفسه الأشاعرة والماتريدية وسائر الفرق المعتدلة الإسلامية.
يقول : فلو سألت المعتزلة : هل تقصدون بقولكم "إن العبد يخلق أفعاله بإرادته وقدرته التي خلقها الله فيه " تقييد القدرة الإلهية؟ لقالوا حاشا لله ماأردنا ذلك ، ولو قلت للأشاعرة : هل تقصدون بقولكم "إن الله يخلق أفعال الإنسان " أن الله يجبر العبد على المعصية ، ثم يحاسبه عليها في الآخرة فيقع منه الظلم ؟ لقالوا : حاشا لله ولايظلم ربك أحدا .
يعني لو تجاوزنا المناهج وطرق الإثبات إلى المقاصد والغايات ، لوجدنا الهدف واحدا والغاية نبيلة والمقصد مشروعا .
ويرى الدكتور الجليند أن المشكلة لاتكمن في كون كل فرقة من هذه الفرق خطأت الأخرى في تصورها ومنهجها ومسلكها التفكيري ، ولكن المشكلة تكمن في رفض كل فرقة للأخرى ،وماتبع ذلك من محاولة إقصائها واتهامها ،لاسيما مع توالي العصور وسيادة حالة الجمود والتخلف والتعصب المذهبي كما هو معلوم .
وينقل عن أبي حامد الغزالي قوله : إن من جعل الحق وقفا على أحد المجتهدين بعينه فهو إلى الكفر والتناقض أقرب ، أما الكفر فلأنه نزل متبوعه منزلة المعصوم من الزلل، وأما التناقض فلأن كل واحد من المجتهدين أوجب النظر والاجتهاد، وحظر التقليد لاسيما في مسائل الاعتقاد.
ويتأسف أستاذنا الدكتور الجليد على ماأفرزته هذه الحال بين الفرق المتناحرة ، حيث ظلت القضايا العقدية جدلية خلافية نظرية لاأثر لها في السلوك الإنساني وهداية القلوب ومايتبعه من عمل الجوارح ، بل ولاأثر لها فيما هو أهم ، الا وهو تحرير المسلم من العبودية لغير الله بتحقق عبوديته الكاملة له ، وهذا هو جوهر التوحيد وسره وغايته الكبرى .
ومن هذه الروح والمنهجية العلمية ذهب أستاذنا الدكتور الجليند ، يعالج كل مسائل كتابه ،
فهو يريد أن يصل بقارئه الى عقيدة صافية تثمر ثمرتها في القلب فيغدو موحدا حرا لايخيفه جبروت ولايأسره مطمع .
انظر الى آخر أربعة أسطر ختم بها كتابه، تجد هذه الروح الصوفية والإشراقات العلوية تظلل كلماته ،فتكسبها قدرة على النفاذ إلى القلوب بعمق الروح التي ظللت هذه الأحرف والكلمات ، يقول :
"حرية الإنسان في الإسلام دين وفريضة فلا عبودية إلا لله ، وعلى قدر ثقتك بالله وحسن توكلك عليه تكون قابضا بزمام حريتك ، فلا سلطان لأحد عليك ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، وعلى قدر خشيتك له في الغيب يخشاك الناس في الشهادة ، وعلى قدر فناء إرادتك عند رؤية إرادته ، يسخر لك مايحقق لك إرادتك ، وعند التحقق من عبوديتك له تتحقق لك حريتك مما سواه"
الله الله الله