الأقوال في وجوه إعجاز القرآن الكريم كثيرة ، كل أدلى بدلوه فيها حسب وجهته ، والقدر المشترك بين كل هذه الأقوال هو أن القرآن الكريم معجزة بيانية تحدى به الله العرب في جنس مانبغوا فبه وتميزوا ، وهو البلاغة والبيان فعجزوا عن يأتوا بسورة من مثل أقصر سورة من سوره .
والدراسات التي تناولت قضية الإعجاز البياني للقرآن الكريم كثيرة ومتنوعة ، وفي العصر الحديث كان للدكتورة عائشة عبد الرحمن - الشهيرة ببنت الشاطيء - جهدها المميز في كتابها الماتع : الإعجاز البياني للقرآن الكريم . فهذا الكتاب من أروع وأعمق الدراسات التي قدمت حقيقة في هذ الميدان من وجهة نظري .
وللكلمة القرآنبة بلا شك وقعها المؤثر في أعماق النفس الإنسانية ، وهي معجزة في بلاغتها وبيانها ونظمها ....الخ ماذكر في وجوه الإعجاز ، ولكن هل مايحدثه القرآن الكريم على النفس الإنسانية من أثر كبير تلاوة أو سماعا ، سره الوحيد هو بلاغة الكلمة القرآنية بجرسها الموسيقى ونظمها البديع وموضعها داخل سياقها ؟
في رأيي أن الأمر أبعد من ذلك ، فالعامي الذي لاعلاقة له بنظم أو بلاغة أوسياق قد ينفعل حال سماع الكلمة القرآنية بأكثر مما ينفعل به البلاغي المحنك والنحوي الضليع ، بل إن مالايحصى من الأخبار لتنقل عن غير العرب انفعالهم الشديد بمجرد سماع آيات من القرآن الكريم ، و دون أن يعرفوا شيئا عن بلاغتها أو معناها ، ومنهم من أسلم لمجرد سماع شيء من آي القرآن متلوا بصوت حسن .
ماالسر إذن ؟ أعجبني كثير ا رأي الأستاذ محمد فريد وجدي رحمه الله : صاحب دائرة معارف القرن العشرين ، الذي ذهب إلى أن سر إعجاز القرآن الكريم هو ما أخبرنا به الله تعالى نفسه في معرض الامتنان على نبيه صلى الله عليه وسلم بنعمة الوحي إليه بالقرآن الكريم ، وذلك في قوله تعالى ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) تأملوا الآية الكريمة : وقفوا مليا أمام سر الإعجاز الأكبر : القرآن الكريم روح من أمر الله ! يعني هذه الأحرف القرآنية المسطورة أمامنا في المصحف : ( روح ) و ( من أمر الله ) ؟
أعتقد أن أحدا لن يختلف على أن هذه الجملة القرآنية القصيرة أعمق بكثير من كل ماقيل ومايقال في تفسير سر الإعجاز .