معركة سرابيوم.. آخر رصاصات الكتيبة 73 صاعقة
الكتيبة 73 صاعقة.. أسود خلف خطوط العدو
حينما يُذكر اسم الكتيبة 73 صاعقة، يتبادر إلى الأذهان رجال لا يعرفون سوى الانتصار أو الشهادة. تأسست هذه الكتيبة لتكون رأس الحربة في عمق العدو، تُنفذ الكمائن والاقتحامات، وتتصدى للدبابات والمجنزرات في أصعب الظروف. ولشراستها أطلق عليها المقاتلون لقب "كتيبة الموت".
في حرب أكتوبر 1973، خاضت الكتيبة واحدة من أعنف معاركها على الإطلاق في قلب الثغرة – سرابيوم، حيث صمدت أمام قوات إسرائيلية تفوقها عددًا وعتادًا، حتى آخر طلقة.
شهادة من قلب النار
يروي العميد محسن العشماوي – وكان وقتها ملازمًا أول بالكتيبة – تفاصيل تلك اللحظات التي لم يتبق فيها من زملائه سوى حفنة قليلة. يقول:
"لا أستطيع أن أصف مشاعري بعد أن علمت بخسائر الكتيبة من الضباط والجنود. لقد استشهد زملائي واحدًا تلو الآخر، وكان المشهد يفوق الوصف. لم أتمالك دموعي حين استرجعت هذه اللحظات في أحد البرامج، لكنني رفضت أن يتوقف التصوير، لأن ما أقوله هو الحقيقة التي لم يرها من لم يحضر الحرب."
المهمة المستحيلة – 15 أكتوبر / 20 رمضان
مع تصاعد أحداث الثغرة، صدرت الأوامر بالتمسك بالكوبرى الحديدي في سرابيوم.
تمركز العشماوي بظهره إلى الترعة ووجهه نحو خط السكة الحديد.
انتشر النقيب أحمد الطاهر بقواته في مواجهة مباشرة مع السكة.
بدأ العدو قصفًا مدفعيًا كثيفًا، أعقبه دفع مجنزرات ودبابات تتقدم على القضبان.
أرسل العشماوي البطل الشهيد صيام ومجموعته لمواجهة التقدم الإسرائيلي، فانفجر اشتباك ضارٍ استمر نحو ثلاث ساعات. ورغم قلة العدد، كبّد أبطال الصاعقة العدو خسائر موجعة، لكن الذخيرة أوشكت على النفاد.
آخر الرصاصات.. وقرار لا يعرف الاستسلام
حين صدر أمر الانسحاب، اكتشف العشماوي أنه لم يبقَ معه سوى الشاويش مجدي، بينما كان القائد عبد الرازق يصاحبه رقيب أول. يقول:
"كنا أربعة فقط، وكل منا يحمل طلقة أو طلقتين. أراد العدو أسرنا أو حرقنا داخل الموقع، لكننا أقسمنا أن لا نستسلم أحياء."
تحت وطأة النيران، تسللت المجموعة عبر قنايات نصف جافة، وقطعت ثلاثة كيلومترات وسط الخطر حتى وصلت إلى سرية من الكتيبة 13 صاعقة، ومنها نُقلوا إلى مبنى المرشدين.
بطولات تُسطَّر بالدم
استشهد البطل كمال فهيم بعد أن دمّر بمفرده أكثر من 15 دبابة إسرائيلية قبل أن يُستشهد بدانة مباشرة.
ارتقى الرائد حامد جلفون شهيدًا.
أُصيب العقيد عليمى عمر.
وتناقصت الكتيبة إلى قلة قليلة من المقاتلين.
لكن رغم الخسائر الجسيمة، بقيت المعركة شاهدًا خالدًا على شجاعة رجال قاتلوا حتى الرمق الأخير.
ـ دروس من سرابيوم
يختم العشماوي شهادته قائلًا:
"كانت تلك ثالث معركة أخوضها في حرب أكتوبر. وبعدها بدأنا حرب استنزاف جديدة ضد العدو. لقد أثبت رجال الكتيبة 73 صاعقة أن الموت في سبيل الوطن أهون من الاستسلام."
لقد كانت معركة سرابيوم رمزًا لإصرار الجندي المصري على القتال حتى آخر نفس، ورسالة خالدة أن قوات الصاعقة لا تعرف الاستسلام، وأن دماء شهدائها كانت وقودًا لانتصار أمة بأكملها.