من أعمق دروس الحياة أن الإنسان لا يبلغ الكمال، وأن النقص جزء من طبيعتنا كبشر. لكن ما يميز العاقل الواعي هو إدراكه لهذا النقص، والاعتراف بأن الكمال لله وحده. أمّا من يظن في نفسه الكمال، فهو في الحقيقة أبعد ما يكون عنه.
كلنا نحمل عيوبًا ونواقص، قد تكون خفية عن أعين الناس لكنها لا تغيب عن أعيننا أو عن خالقنا. ولولا ستر الله الذي يغطي زلاتنا، لانكشفت حقائق موجعة قد لا نحتمل نظرة الآخرين إلينا بسببها. هذا الستر الإلهي هو نعمة كبرى، تستحق أن نتوقف أمامها بامتنان، فهي ما يحفظ قلوبنا مرفوعة، وأعناقنا عالية رغم كل ما في داخلنا من ضعف.
المشكلة تبدأ حين ينشغل الإنسان بعيوب غيره قبل أن يلتفت إلى نفسه. يضع ميزان النقد على تصرفات الآخرين، وينسى أن يزن ذاته بذات الميزان. لو أن كل واحد فينا نظر بصدق داخل نفسه، وواجه عيوبه بوعي وشجاعة، لكان أكثر رحمة وتفهماً مع غيره، وأقل انشغالًا بالحكم على الناس.
الحكمة هنا واضحة: قبل أن تفتش في عيوب الآخرين، افتح كتابك الداخلي أولًا. وحين ترى ما فيك من نواقص، ستدرك أن ستر الله عليك هو ما يجعلك واقفًا، وستتوقف عن محاسبة الآخرين بقسوة.
إن إدراك نقصك لا يقلل من قيمتك، بل يزيدك إنسانية. لأنه يجعلك أقرب إلى التواضع، وأبعد عن الغرور. أما وهم الكمال، فهو حجاب يحجب صاحبه عن الحقيقة، ويتركه أسيرًا لزيفٍ لا وجود له.