استجابة لرأى الكثيرين من حضراتكم سأقوم بتوضيح بعض الأمور في قضية النسخ في القرآن ، مع التنبيه إلى ضرورة الرجوع للمصادر التي ذكرتها لكم، لأن القضية أوسع بكثير من أن تثار هنا على الصفحة . واسمحوا لي أن أجمل توضيحي في النقاط التالية :
…………………….
أولا : حين قلت لانسخ في القران الكريم ، فإنما أنحدث فقط عن المصحف بوضعه الحالي ، لاتوجد آية فيه منسوخه ، أما قبل العرضة الاخيرة التي عارض بها جبريل النبي صلى الله عليه وسلم القرآن مرتبن فبل وفاته صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت هناك آيات نسخ حكمها وبقي لفظها في المصحف ، ولكنها رفعت من المصحف بعد العرضة الأخيرة ، وبقي المصحف على حالته الآن من حيث مايتضمنه من آيات ، ولكنه كان مفرقا كما هو معلوم ، ولم يتضمن مصحف عثمان رضي الله عنه هذه الآيات المنسوخة .
ثانيا : أن العلماء الأقدمين توسعوا في موضوع النسخ حتى إنهم كثيرا ماكانوا يطلقون على تخصيص العام نسخا ، وتقييد المطلق نسخا والاستثناء نسخا وهكذا . وليس كل آية قالوا إن فيها نسخا كانوا يقصدون به النسخ الذي نعلمه ، وهذا أمر نبه إليه الشاطبي وغيره .
ثالثا. هناك مبالغات كييرة في قضية النسخ حتى قال البعض : إن آية السيف التي في سورة التوبة يقصدون قوله تعالى " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " نسخت ١٢٤ آية في العفو والصفح ، وهذا قطعا كلام غير مقبول ، بل هو أساس الفكر الإرهابي كله .
وأيضا آية تشريع عدة المرأة المتوفى عنها زوجها ، التي ذكر فيها الحول ، و التي قيل إنها منسوخة بآية الأربعة أشهر وعشرا . المتأمل بجد أن هذه الاية تتحدث عن ما يجوز للمرأة على سبيل الوصية ، يعني بجوز لزوجها أن يوصي لها بأن تبقى في بيت الزوجية بعد وفاته حولا كاملا لايخرجها أحد منه مالم تتزوج ، ولذا قال الله " وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج " أما الأربعة أشهر وعشرا فتتحدث عن مدة العدة الواجبة عليها ولذا قال الله " يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " على سبيل الإلزام ، وبذا يمكن الجمع بين الآيتين .
وهكذا في كل الآيات التي تثير إشكاليات في قضية النسخ أمكن الجمع بينها بهده الدراسات التي سبق وأن نوهت إليها وغيرها ، وهذا أولى ، وفقا لقاعدة : إعمال الدليل أولى من إهماله . والله أعلم .