بالنسبة لمسألة إمامة المرأة القارئة أهل بيتها في ظل أزمة الكورونا وعدم ذهاب عدد كبير من الرجال إلى المسجد لهذا الظرف :
بعد توجيه الشكر الجزيل للباحث الأستاذ محمد على على دقته في استقصاء أقوال الفقهاء وعرضها وتحليلها والترجيح بينها ... أقول : لي عدة تعقبات على ماورد من أقوال في هذه المسألة ، تضاف إلى ماتفضل به الباحث مشكورا .
أولها : موضوع تضعيف حديث أم ورقة ، أرى في الحكم بضعف هذا الحديث شيئا من عدم الموضوعية ، بدليل أن هناك عددا كبيرا من الأحاديث صححت لشهرتها على ألسنة الفقهاء ، وإن جهلت رواتها ، وقال الأصوليون : شهرتها تغني عن هذه الجهالة .
ثانيها : أعترض وبشدة على من حاول قصر حديث أم ورقة على النوافل أو التراويح ، لأن الرواية ليس فيها مايدل على هذا القصر ، ومن ثم فأنا أرجح رأي المزني والطبري وداود الظاهري في هذا . يعني تجوز إمامة المرأة القارئة لأهل بيتها بما فيهم من الذكور في الفرائض والنوافل على السواء ، لاسيما في ظل الجوائح العامة والأعذار الطارئة ، التي تمنعهم من الصلاة في المسجد .
ثالثها : لايوجد مايدل على خصوصية أم ورقة بهذا الحكم ، فقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم وأجابها ، ولم يقل لها صلى الله عليه وسلم هذا لك خاصة ، ومن ثم : فهذا الحكم يتعدى إلى كل امرأة قارئة مع أهل بيتها .
رابعها : لاداعي مطلقا لإقحام موضوع نقصان عقل المرأة ودينها في هذه المسألة ، والسؤال : لم لم يقل النبي لأم ورقة حين استفتته : لايجوز لك ذلك لأنك ناقصة عقل ودين ؟ وعليه : فهذا السيف المشهر دائما في وجه المرأة كلما تصدرت لشيء ذي بال ، ينبغي أن يدخل في غمده وإلى الأبد ، لأن هذا الحديث له ظرفينه وسياقه وليس هذا محل التعرض له الآن .
خامسها : تأسيسا على ماسبق : أعترض وبشدة على قول من قال من الفقهاء : إن الإمامة درجة من الولاية وهي درجة شريفة ومكانة منيفة لاتكون إلا لمكتمل الذات والدين ، والنساء يفتقدن إليهما معا .
أقول : والله هذا الكلام لايكذبه فقط واقع المرأة الناجحة الآن في كل مايسند إليها من ولايات كالوزارات ونحوها بل ورئاسة الدولة في بعض البلدان ، ولكن يكذبه واقع المرأة في عصر الرسالة ، أليس التعليم من الولايات بل من أسماها ؟ وأين هؤلاء من عائشة رضي الله عنها الفقيهة الناقدة ، مرجعية الرجال من الصحابة في الفتوى والتحقق من المرويات ؟
وأستأذنك ياشيخ محمد على ، بل و ألفت نظر الجميع إلى أنه لاداعي من فضلكم لمجرد ذكر هذا الكلام الذي يسيء كثيرا لاأقول إلى قائله، ولكن إلى الفقه الإسلامي كله ، ولدينا مايغنينا عن مجرد ذكره ، وأنا شخصيا أستفز منه ، وماذا نفعل نحن النساء أكثر من عليه واقعنا الآن ، حتى لانلاحق بمثل هذا الكلام ، كلما حاولنا الاقتراب من الولايات الشريفة المنيفة كما يقولون ؟
سادسها : ليتنا نكف عن التعليلات التي تمنع النساء من ممارسة حقوق اكتسبنها باستحقاق من الشرع ، أعني تلك التعليلات التي من قبيل : خوف الفتنة ، والتشويش على الرجال وخلافه ، فالمرأة إنسان لها مالها وعليها ماعليها وليست في حقيقتها وعاء للفتنة والشر ، هناك من الرجال من هم أكثر غواية و شرا من كثير من النساء ، فلنمنعهم إذن من إمامة النساء ، وماذا عن المرأة المسنة القارئة ، أو حتى الشابة الجميلة مع محارمها وأهل بيتها ؟
سابعها : إذا اعتبرنا أنه لادليل يمنع المرأة القارئة من إمامة الرجال في المساجد إلا العرف ، أقول ماذا إذا سمح العرف بذلك ، كما في بلاد المهجر، وقد حدث بالفعل ؟ و لماذا قامت الدنيا هنا ولم تقعد ؟ ولماذا سقنا العلل نفسها ؟
أخيرا أقول : رحم الله الإمام الطبري والمزني وقبلهما الفقيه أبا ثور ، فعلى الرغم من أنهما لم يدركا ماعليه حال المرأة في هذا العصر من تفوق ، وعلى كثير من الرجال في العديد من المجالات ، إلا أنهما باستصحابهما روح الشريعة التي كرمتها لكونها إنسانا ، لم يسمعونا ماسمعناه من غيرهما من كلام أحزننا نحن النساء ، بل ويستثير حفيظتنا ،وربما استياءنا .
ويؤسفني أن أقول : نحن إلى الآن جبناء عن أن نقول ماقاله هؤلاء الفقهاء : نعم للمرأة القارئة أن تؤم الرجال في الفرائض والنوافل مع مراعاة الضوابط اللازمة ، فالعبرة ليست بالذكورة أو الأنوثة ولكن بالأكفأ والأجدر . عفا الله عنا جميعا .