كتاب بداية المجتهد لابن رشد الحفيد ، الفقيه والفليسوف القرطبي الأندلسي المتوفى عام ٥٩٥ من الهجرة ، كتاب معروف لنا جميعا ، ومعلوماتنا أنه كتاب في الفقه المالكي ، لكون ابن رشد من أكابر فقهاء المذهب المالكي رضي الله عنهم وعن إمامهم ، ولكنه إلى جوار ذلك من أوائل الكتب التراثية التي اهتمت بذكر آراء المذاهب الأخرى في المسألة ، بحيث يمكن عده من أوائل كتب الفقه المقارن ، يعني من خلال ابن رشد سوف تتعرف وبسلاسة على آراء فقهاء المذاهب الأخرى في المسألة التي تبحثها .
ومن حين لآخر أراجع بداية المجتهد وأنا شغوفة لأني أحبه ككتاب وآنس بصاحبه وبعبق الحضارة الأندلسية الذي يشع من كتابه ، وتعجبني طريقته المنهجية في التصنيف ، وأكثر مايعجبني فيه اهتمامه بأصل الخلاف في المسألة ، فلاتكاد مسألة تمر إلا ويقول : وسبب خلافهم هو كذا وكذا ثم يسوق الأدلة ، فتشعر أنك تزودت لابكم من الأدلة والآراء الفقهية فقط ، ولكن بكثير من الرياضة الذهنية وأنت تتنقل بين المذاهب والآراء دون إيجاز مخل أو إطناب ممل في تفصيلات لاأهمية لها .
أعجبني جدا وأنا أقرأ في هذا الكتاب الأشم أن أرى صاحبه يكرر في غير موضع ، وهو يتعرض لأصل من أصول المذاهب الأخرى في موطن الاستدلال ، أعجبني أن يقول : ( لأنهم على ماأعلم يقولون .....) تواضع جم بقيمة عالم كابن رشد .
شيء آخر : أن هذه العبارة تشم منها رائحة الظرف الأندلسي - بتعبير الأدباء - يعني حضارة ورقي وخفة ظل ، والحقيقة أن هذا الظرف الأندلسي الذي تحلى به ابن رشد تغشى كتابه ، فبدا كتابا ظريفا ، فقه برائحة الأندلس .
معلوم أن ابن رشد لقب عند الأوربيين بالشارح الأكبر لشرحه منطق أرسطو، ودافع عن الفلسفة باستماتة ، وله كتاب : فصل المقال وتقرير ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال ، ومن عنوان هذا الكتاب الأخير تتبدى لك عظمة ابن رشد الفقيه ، يعني أنت أمام فقيه يكتب الفقه بوعي كبير بحكمة الشريعة وفلسفتها من وراء التشريع . عظمة على عظمة .