حوار دار بيني وبين زوجة حائرة وتود أن تفهم ماالسبب؟
سألتني : ماحكم من قال لزوجته طلقتك منذ شهرين ولم أخبرك ، ولكني راجعتك قبل انتهاء عدتك ولم أخبرك كذلك ، وأنت الآن زوجتي .
أجبتها : المفتى به هو وقوع الطلاق ، وصحة الرجعة مادامت قد تمت قبل انتهاء العدة ، ولايشترط علم الزوجة بأي منهما حتى يصح وتترتب عليه الآثار الشرعية ، لأنهما في الأصل حق للزوج وحده ، ولكن الفقهاء قالوا : يجب علي الزوج أن يعلم زوجته بالطلاق حتى تحتسب عدتها ، وأن يعلمها بالرجعة إن راجعها لأن عدم علمها بالرجعة ربما يجعلها تشرع في الزواج من آخر بعد انتهاء مدة العدة ، توهما أنها قد بانت من زوجها لعدم علمها بهذه الرجعة .
قالت : ولماذا تترك الزوجات عرضة لهذا التلاعب والإيذاء النفسي البالغ من قبل الأزواج ، وقد أمر الله تعالى بوجوب الإشهاد على الطلاق والرجعة؟
قلت لها : تقصدين طبعا قوله تعالى في مطلع سورة الطلاق " وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله"
قالت : نعم ، قلت لها لقد حمل جمهور الفقهاء الأمر هنا " وأشهدوا " على الندب يعني يستحب الإشهاد ولايجب .
قالت باستنكار : وما الذي جعلهم يحملون الأمر هنا على الندب كما تقولين ؟ قلت : لأنه لم يثبت لديهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحدا بالإشهاد لاعلى طلاق ولاعلى رجعة .
ومن ثم استقرت الفتوى على أنه لايجب الإشهاد عليهما ، بل ولايشترط لنفاذهما علم الزوجة ، توافقا مع ما قضى به جمهور الفقهاء في هذه المسألة .
قالت متلهفة : وهل هذا كلام نهائي ، يعني مافيش رأي آخر غيره ؟
قلت : هناك رأي آخر للشيعة الإمامية وبعض الظاهرية أوجب أصحابه على الزوج الإشهاد على الطلاق وعلى الرجعة ، أخذا بمنطوق الآية وماتفيده صيغة الأمر في الأصل وهو الوجوب ، قالوا: فمن لم يشهد على طلاقه ورجعته لايقع طلاقه ولاتمضي رجعته .
وهذا الرأي أخذ به نفر من الفقهاء المعاصرين منهم الشيخ محمد عبده والأستاذ أحمد شاكر والشيخ أبو زهرة والشيخ محمد الغزالي وآخرون ، ولكنهم جوبهوا بإنكار شديد من قبل أنصار الرأي الأول ، إذ كيف يرجحون رأيا قالت به الشيعة الإمامية مقابل رأي الجمهور ، فهذا في حد ذاته أمر جلل عندهم !!
ثم استطردت : وللشيخ أحمد شاكر رحمه الله كلام نفيس في هذه النقطة ، يقول : القرائن كلها تؤيد حمل الامر على الوجوب ، فإشهاد الشهود يرفع احتمال الجحد ، ويثبت لكل من الزوجين حقه قبل الآخر ، فمن أشهد على طلاقه فقد أتى به على النحو المأمور به شرعا وكذلك بالنسبة للرجعة ، ومن لم يفعل فقد تعدى حد الله الذي حده ، فوقع عمله باطلا لايترتب عليه أثر من آثاره .
قالت لي مستنكرة : وما المانع إذن من تعميم الفتوى بهذا الرأي ؟ ألأجل أنه في الأصل للشيعة الإمامية ؟ قلت لها حقيقة لاأدري !!
فكلنا يقبل رأي الشيعة الإمامية في الوصية الواجبة مقابل رأي الجمهور وهو مرتاح القلب والضمير ، وتقضي به المحاكم فنصفق لحكمها طربا ، لما نرى فيه من إنصاف لأولاد الابن الصغار وإن نزلوا ، الذين مات أبوهم في حياة جدهم ، إذ لولا هذه الوصية لتعرضوا للضياع قطعا !!
قالت : وماتتعرض له المرأة بسبب فوضى الطلاق والرجعة لايقل ضياعا فمن ينصفنا؟ افعلوا شيئا فلم نعد نحتمل مايحدث لنا .
………………
انتهي الحوار بيني وبين هذه الزوجة الحائرة، ورأيتني أتساءل ، إلى متى سنظل نشرعن بفتاوانا لمثل هذا الزوج العابث المتخذ آيات الله هزؤا ،ولانعبأ بمشاعر مثل هذه الإنسانة المغلوبة على أمرها ؟ تطلق وتراجع وهي لاتعلم ، ثم تجبر على استئناف الحياة مع هذا المستهتر بآدميتها وإنسانيتها تحت دعوى أنه لاحق لها في مجردالرضا بهذه الرجعة ، أي شرع هذا ؟
أرى أنه قد آن الأوان لأن ترفع الفتوى يديها وكذلك المفتون من مثل هذه القضايا العالقة ، لتحسم بالتشريع القانوني الملزم ، ولاحل سوى ذلك .