كتاب " الأدلة العلمية على جواز ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية " للأستاذ محمد فريد وجدي .
هذا الكتاب صدرت الطبعة الثانية منه عام عام ١٩٣٦ م وهي الموجودة بمكتبتي ، يناقش فيه المؤلف قضية مهمة جدا من القضايا القديمة الجديدة ، وهي قضية حكم ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى ، مع التطرق لقضية فقهية أهم تتصل بهذه القضية الأم ، ألا وهي حكم قراءة الفاتحة في الصلاة مترجمة لغير الناطقين بالعربية .
والأستاذ محمد فريد وجدي من جيل الرواد من العلماء ، الذين انبروا لمناقشة العديد من القضايا الحية بفكر مستنير وثاب ، يظهر إلى مدى بلغ التنوير بعدد من علماء مصر في هذا الوقت الباكر من تاريخنا الحديث ، لاسيما وان فضيلته كان قد تولى إدارة مجلة الازهر ، وكان من مهامه بالطبع ، اختيار الكتب التي تطبع مرفقة بالمجلةعلى نفقة الأزهر الشريف .
وهذا الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه كان من إصدارات المجلة ، وفيه انتصر الشيخ رحمه الله انتصارا شديدا لجواز ترجمة معاني القرآن الكريم إلى كافة لغات العالم دون استثناء، معتبرا هذا سبيلا من سبل إبلاغ معاني القرآن الكريم ورسالته الإنسانية للعالمين .
ليس ذلك فقط بل إنه رحمه الله انتصر انتصارا شديدا للقول بجواز الصلاة بترجمة الفاتحة لمن يعجز عن نطقها بالعربية، مستندا في هذا إلى رأي الإمام أبي حنيفة رحمه الله ،حيث روي عنه أنها أجاز قراءة الفاتحة في الصلاة بالفارسية لمن يعجز عن قراءتها بالعربية ، اعتمادا على خير روي عن سلمان الفارسي في ذلك .
وقد انبرى الأستاذ محمد فريد للرد على من يزعمون رجوع الإمام أبي حنيفة عن هذا الرأي مؤكداعلى أنه لم يرجع عنه ، ومستدلا في ذلك بما روي عن الحسن البصري أنه كان يقرأ الفاتحة في الصلاة بالفارسية .
ثم ينقل عن الشيخ محمد بخيت  المطيعي رحمه الله فتواه لأهل ترانسفال مانصه : وتجوز القراءة والكتابة للقرآن الكريم بغير العربية للعاجزين عنها ، بشرط ألا يختلف المعنى ، قال : فقد كان تاج المحدثين الحسن البصري الذي يعتبر إماما لجميع أمة هذه الملة يقرأ القرآن في الصلاة بالفارسية ، لعدم انطلاق لسانه باللغة العربية .
ومن هنا ذهب الأستاذ محمد فريد وجدي إلى أنه لا يشترط في المجتهد في علوم الشريعة أن يكون ضليعا في اللغة العربية ولا من أهلها .
 ليس ذلك فقط بل يرد الأستاذ محمد فريد على من يقول بأن سر القرآن في عربيته ، وأن معانيه رمزية ولا يمكن الإحاطة بها لأنها لا تتناهى وهو مانردده نحن كثيرا …
يرى الأستاذ محمد فريد أن هذا الكلام من فعل المثبطين الذين ابتليت بهم الأمة في إبلاغ دين الله للعالمين عن طريق التأثير على العامة الذين يروق لهم هذا الكلام ، مع أن لهذا الكلام في رأيه تأثيره السيء على الإسلام ، لأن غير المسلمين ربما يقولون : مالنا ولدين يدعي أهله أنهم لم يفهموا كتابه حق الفهم بعد مرور هذه الفترة الطويلة من الزمان ؟ ومالنا ودين يشترط علينا أنه لكي نفهمه لابد أن نتعلم اللغة العربية ؟
ثم يستدل بقوله تعالى " وإنه لفي زبر الاولين" على أن معاني القرآن الكريم تضمنتها جميع الكتب السابقة بلغاتها ، فكيف يقال إن سر القرآن في عربيته ؟ وهل الكتب التي أنزلها الله تعالى على الأمم السابقة مجردة من الأسرار ،وخالية من التأثير ؟
ثم يقول : لقد نسي هؤلاء أن أربعة أخماس المسلمين من غير العرب ، فكيف إذا نشترط عليهم تعلم اللغة العربية حتى يفهموا القرآن ، وكيف نفتي لهم بضرورة قراءة الفاتحة بالعربية وإلا كانت صلاتهم باطلة ؟ هذا فضلا عن اشتراطنا في المجتهد أن يكون عربيا ، حتى يجوز له الاجتهاد في علوم الشريعة 
أقول : ماذا لو عاش الأستاذ محمد فريد في زماننا ورأى خريجي المدارس الإنترناشونال في بلادنا ، وهم يرطمون بالأعجمبة أفضل من أهلها ، ولكنهم يعجزون عن نطق اسمهم صحيحا بالعربية؟ وماهو الموقف إزاء هؤلاء ؟
وفي النهاية يقرر الأستاذ محمد فريد أن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى غير اللغة العربية ليست جائزة فقط ، ولكنها واجب من واجبات تبليغ القرآن إلى العالمين .
قال : ومايقوله المانعون إنما هو لإيهام العامة أنهم يعملون لله ورسوله ، وفي سبيل صيانة دينه ،والمسألة في النهاية تسع الخلاف ، وأما القطع بالمنع ، ففي رأي الاستاذ محمد فريد إنما هو من وسائل إيهام العامة كما سبق .
وختاما أقول : القضية فعلا تسع الخلاف كما تفضل الاستاذ محمد فريد وجدي ، وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع فضيلته ، إلا أن الكتاب كله في موضوعه ومادته ومنهجه وجرأته في النقد، والخروج عن عقلية القطيع والتغريد خارج السرب ، وماتضمنه من حجاج عقلي منطقي مع حساسية القضية المتناولة ، ليشهد لعلماء هذه الفترة الباكرة بلا ريب .
ولاأظن أن أحدا من المتخصصين في علوم الشريعة الآن ، لامن الأزاهرة ولامن غيرهم يمكنه المجاهرة بمثل آراء الأستاذ محمد فريد في هذا الكتاب ، وإلا قوبل بسيف الاجماع مسلطا على رقبته ، يتهمه بالمروق من هذا الدين.
وختاما أقول : : لاحظوا معي أن هذا الكتاب كان ملحقا بالجزء الثاني من مجلة الأزهر ومكتوب عليه يوزع مجانا. ولاتعليق
صورة غلاف الكتاب تشع بعبق عظماء تلك الفترة معطرة بعبير رائحة الورق البالي .