ملحمة بطولية في زمن التخاذل
"الصحفي الأستاذ وائل الدحدوح"
لأول مرة في حياتي أعرف معنى افتقاد الشغف إلى كل شيء ، وتحديدا إلى قلمي وإلى أوراقي وكتبي …
فمع أحداث غزة هجرت قسرا كل ذلك إلى حيث أرابط أمام القنوات الإخبارية ، أتابع الأحداث إلى ساعة متأخرة من الليل ، بت معها أفتقد الرغبة في كل شيء …
فأنا التي في كل محاضرتي أسعى لتعميق معنى الإنسانية في نفوس طلابي وطالباتي ، والآن أراها مذبوحة في هيئة جثث تنقل على عربات نقل مصفوفة بعضها فوق بعض في لفائف بيضاء بلون الدم ، وتدفن هكذا فوق بعضها في هئية أكوام من الأشلاء المطموسة الملامح ، والعالم المتقدم المتشدق بحقوق الإنسان يرى ويسمع ، ليس ذلك فقط بل يؤيد ويشجع ويصفق .
وسط هذا الجو المحطم لكل القوى المعنوية التي نعيش بها كآدميين ، إذا بمعجزة إنسانية وملحمة بطولية تظهر هناك في السماء بين الشهب اللامعة ، شعرت أمامها بهشاشتي ووهني ، إنه الصحفي الأستاذ "وائل الدحدوح "
هذا الصحفي الفلسطيني الغزاوي حفيد العمالقة ، كان قد حمل على عاتقه وبدافع من وطنيته ووظيفته مسؤولية نقل المجازر والانتهاكات الإسرائيلية الغاشمة من غزة إلى كل العالم ، لإيقاظ أرباب الضمائر الحية من الشعوب التي لاتزال بها بقايا إنسانية ، ولكنها مغلولة بغل حكام برابرة متوحشين يحيون بشريعة الغاب التي ابتدعوها في القرون الوسطى ، ولايزالون عليها عاكفين .
أثناء نقل الأستاذ وائل الدحدوح للأحداث تلقى خبر تدمير منزله الذي هاجر إليه في جنوب غزة، واستودع فيه أسرته ظنا منه أنه انتقل بهم إلى حيث يأمنون، وماكان يعلم أنه استدرج استدراجا للتنكيل الوحشي به وبأسرته .
فور أن تلقى الأستاذ وائل الخبر ، ذهب بنفسه على الفور ليحفر بيده أنقاض البيت الذي انهار على رؤوس أسرته ، يحاول بلهفة أن يستخرجهم أحياء ، ولكن للأسف تسلمهم جثثا هامدة ، حيث استشهدت زوجته وابنه وابنته وحفيدته ، أما الباقون من أفراد عائلته الكبيرة ، فقد دفنوا تحت الأنقاض ولم ينج له سوى ابن وابنة ، حسب آخر الأخبار .
في رباطة جأش نادرة خاطب الأستاذ وائل حفيدته الشهيدة الرضيعة وهو يحملها بين يديه قائلا " معلشي" هكذا بكل ثبات !!
وخاطب ابنه الشاب الشهيد وهو ينظر في وجهه والدماء تغطي ملامحه : يابني الا تريد أن تكون صحفيا ؟؟ ينتقمون منا في أولادنا !!!
وفي كبرياء وشموخ وقف أمام الكاميرات ودموعه تسيل إلى صدره وهو ينظر لأعلى ويقول : هذه دموع إنسانية وليست دموع خزي ومذلة !!!
ثم قام بنفسه يصلي على شهدائه، وإثر دفنهم عاد مسرعا إلى حيث يؤدي واجبه على الجبهة ينقل الأحداث ، ولايزال هناك مرابطا صابرا محتسبا !!
أقول: لن يهزم شعب يضم رجلا كهذا، ولن تركع أمة بها شرفاء نبلاء وطنيون بهذه الدرجة !!!
أيها المتحدثون في قضايا ترفية لاهية على شاشاتنا : المكياج والجمال والديكورات وخلافه !! استحيوا من أنفسكم !!
أيها الشاكون من غلاء الأسعار في بلادنا ،اصمتوا ياعشاق بطونكم !!!
أيتها المفاخرات بجمالكن وحليكن ، ارحمن أكبادنا الموجوعة واختفين من حياتنا !!!
وياأيها الشرفاء من أبناء أمتي ، تعلموا الصمود ورباطة الجأش . تعلموا المرابطة
في مهامكم والمجاهدة على ثغوركم
بل وتعلمو الوطنية الحقة كيف تكون!!