بعد انتهاء جلسة العزاء في وفاة أختى الحبيبة : الأستاذة رقية عبد السلام أبو الفضل
تأملات في قوله تعالى " قال سنشد عضدك بأخيك "
بداية أقول : كلنا مساكين في هذه الحياة ، ولاأحد منا يعيشها مذ يتشكل وعيه فيها بكله ، فكل حدث ضخم يمر بالواحد منا يميت فيه قيمة او معنى ، وكل فقد لعزيز عليه يميت فيه جزءا ، والفقد الأكبر بلاشك في هذه الحياة هو فقد السند والظهر : الأب أوالأم أو الزوح الخ
فبفقد واحد من هؤلاء ينهار ركن بكامله داخلنا .
أما الأخ أو الأخت فبفقدهما يفقد الإنسان لونا آخر مختلفا ، قد يقضي على البقية الباقية فيه .
إذ في أخيك أو أختك تتجسد معاني مرحك وفرحك ولعبك وضجيجك صغيرا ، وكل معاني القوة والنصرة والمعونة وأنت كبير ، وترى في أخيك وأختك شباب أبيك وأمك وعنفوانهما وقد هرما أو فنيا ، فالأخ أب بعد الأب والأخت أم بعد الأم.
تأمل معي أنه حين قدر الله تعالى لموسى عليه السلام أن يقف في وجه أكبر طاغية عرفه التاريخ " فرعون " على الفور أدرك موسى أنه لن يجد من يعينه على أداء هذه المهمة الثقيلة غير أخيه هارون عليهما السلام ، فما كان منه وهو كليم الله ، إلا أن طلب من ربه أن يؤازره بأخيه هارون متعللا بأنه أفصح منه لسانا ، وأنه كذلك الأقدر على مخاطبة فرعون وقومه بما يكون عونا له على تصديقه بما جاء به :
" قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون "
وبعد أن قدم موسى عليه السلام بين يدي ربه هذه المعذرة الحنونة البليغة ، أجابه سبحانه بقوله " قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلايصلون إليكما "
أي سنؤازرك بأخيك حتى يكون لك قوة تشد عضدك ، والعضد : هو المنطقة التي مابين المرفق و الكتف من الذراع ، وهي موضع القوة في ساعد الانسان أو يديه في لغة العرب .
ولنتأمل هذه اللفظة القرآنية العجيبة في وصف الأخ " ردءا " فالردء عند العرب هو المعين والنصير ، به يقوي الإنسان ويشتد ويحفظ من السقوط والضعف والانكسار ، ويتجمل بما يحفظ له بهاءه وحسنه وستره داخليا وخارجيا ، فكل مايستتر به الإنسان من ثياب يغطي به مواضع العورة من جسده فهو ردء ، وكل مايلبسه فوق الثياب للتجمل والحسن من عباءة ووشاح ونحوهما فهو ردء ، وكل مايعتضد به ويتقوى فهو ردء ، وهكذا الأخ أو الأخت .
والخلاصة هي أن الأخ والأخت هما سترك وسرك وحسنك وقوتك وعضدك ووجاهتك وهما كذلك : ذكرياتك وطفولتك وفرحك ومرحك وأبوك وأمك بعد أبيك وأمك .
رحمك الله أختى الحبيبة الأستاذة رقية عبد السلام أبو الفضل ، بنت أبيها في الصلاح وفعل الخيرات وهنيئا لك جواره الكريم ، وماأظنك إلا معه حيث يقبع المطهرون في الملأ الأعلى .
حبيبتي : لاتقوى الكلمات على التعبير عن مدى حزني عليك. ولكن أنت من عنيت بمنشوري هذا ، وأنت عندي بمكان أكبر وأهم وأغلى .