مقولة أطلقت على جمل قصيرات قالها العارف بالله سيدي ابن عطاء الله السكندري رحمه الله ، فصارت حكما انبثقت عن مشاهدات ملكوتبة علوية ، تمثل خلاصة رحلته الطويلة مع مجاهداته الروحية ترقيا في مدارج القرب من رب العزة جل وعلا ، فكان أن أنطقه ربه بهذه الترانيم السماوية التي ماصادفت قلبا غافلا إلا أطربته فنهض لربه ذاكرا .
ومع ذلك نرى بعض هواة الاعتراض لأجل الاعتراض ينكرون بشدة أن تعقد مثل هذه المقاربة بين وحي سماوي وكلام بشري ؟
وأرد على هذا الاعتراض بما أثر عن الإمام على كرم الله وجهه حين سئل : هل عندكم شيء من الوحي غير القرآن ؟ قال لا إلا فهما آتاه الله رجلا في القرآن "
ولاأظن أحدا استوعب هذه المساحة العريضة من آي القرآن الكريم في التزكية والتربية وصاغها ألحانا سماوية عذبة كابن عطاء الله السكندري رحمه الله .
حكم ابن عطاء الله تتسلل إلى قلوب المحبين من أهل الوداد والوصل كشمش الشتاء الدافئة ، حين تسري حثيثا في الجسد العليل فتنشر مع الدفء العافية ومع العافية السكينة ، ومع السكينة راحة النفس والروح .
انظر اليه وهو يقول : ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك …
ومتى فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء "
الله الله الله
نور على نور وخلاصة الخلاصة!!
من منا لايحتاج إلى من يوقفه على مثل هذا الفهم العميق ليمزق عن نفسه حجب الظواهر الكثيفة التي تحول بينه وبين شهود نعم الله المتكاثرة عليه وفيه وحوله ، وإن شئت قلت تحجبه عن شهود المنعم جل وعلا ليعيش في حالة بائسة من طغيان المادة وتركيز النظر فيما منع الله وحجب ، لافيما أعطى ومن وتفضل!!!
ثم إنني لاأدرى لماذا يتركز نظرنا في القرآن الكريم على ما يختص بمواضع الأمر والنهي فقط ، هذه الآيات التي حصرها الأوائل ممن عنوا بقفه التزكية والتربية في خمسمائة آية وربما تزيد قليلا ، وماذاك إلا لأنهم فقهوا أن غاية القرآن الكريم أبعد من ذلك بمسافات طوال .
القرآن الكريم ياسادة معني في المقام الأول بتعميق صحة الاعتقاد في الله ورسوله ، ثم بالترقي في مقام تزكية النفس بالأخلاق الفضلى ، لأنه إذا ماتم لها ذلك ، استقامت وحدها على الصراط المستقيم ، وأقبلت إلى ربها مسرعة على أجنحة من الشوق لابمقامع من حديد .
لقد طال نظركم أيها السادة الفقهاء في فقه الحلال والحرام وأطلتم التفريع على فروع الفروع حتى تعقد الفقه والفهم معا، ولم تعد الروح ترى في فقهكم الطويل العريض مايروي ظمأها ويأخذ بها نهوضا إلى ربها
ومن ثم كانت التزكية وسبلها ومدارجها من الفهم الذي يمن به الله تعالى على المصطفين من عباده الذين أورثهم كتابه ففقهوه حق فقهه .
وختاما أقول : من اليسير أن يكون أحدنا فقيها في الأمر والنهي أما فقه النفس والروح ومراقيهما ، فهذا هو الشأن !!!
ومن هنا قالوا : نهاية الفقيه بداية التصوف.