بات من الواضح أن نسبة العنوسة في مجتمعنا المصري في ازدياد ملحوظ …
وأن عددا من الأسباب قد أسهم في صناعة هذه المشكلة وتزايدها على هذا النحو المزعج ، يأتي على رأسها ارتفاع نسبة تكاليف الزواج مع ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب ، وأيضا العادات والتقاليد الضاغطة بالنسبة لتجهيز بيت الزوجية ونحو ذلك …
أسباب كثيرة ومتنوعة ليست محلا لحديثنا الآن …
إنما المؤلم بغاية الألم أن تتعرض الفتيات لهذا الكم من الأذي والتعيير بدءا من الأم نفسها في أمر لاذنب لها فيه ، وكأن البنت مسؤوله عن هذه المشكلات المجتمعية الضاغطة ، أو كانها هي التي تصنع قدرها وتتدخل في صناعة الأحداث الكونية القدرية ، أو حتى مايدخل منها في حيز التسبب الإنساني.
حكت لي بعض الفتيات وهن باكيات : أمي تعيرني ولاتكف عن مقارنتي بقريباتي وزميلاتي اللاتي تزوجن ، ولاتكف صباح مساء عن اتهامي بالخيبة وسوء التصرف ، وكأنني - كما تقول - يجب أن أتصرف كسلعة رخيصة أعرض نفسي للغادين والرائحين ..
وقالت لي أخرى : تقول لي أمي عندما يطرق أي عريس بابي وأراه غير كفء لي : تزوجي ولامانع من أن تصبحي مطلقة بعد زواجك ولو بشهر ، المهم عندي أن لايقال عنك (عانس)
وثالثة تحكي عن أختها الأصغر والأجمل ، والتي يطرق بابها عدد كبير من العرسان ويرفض والدها حتى تتزوج هذه الكبرى.
تقول : باتت أختى تكره وجودي في البيت بل تكره وجودي في الدنيا ، وكأني لعنة من السماء أصابتها ..
ورابعة تحكي عن إنسانية والديها معها ، ولكنها تبكي بمرارة عن مقدار الألم الذي يتألمانه نتيجة إكثار الأقارب والأصدقاء من قولهم (ربنا يعدلها لفلانة يارب ونفرح بيها قريب .. مافيش خبر حلو ؟ ) وهكذا
وأضافت وهي فتاة تدرس في مراحل متقدمة : وعندما ترد أمي حفظا لماء وجهها : هي تدرس كذا وكذا ، تكون الإجابة : (وده هيعمل لها إيه لو فاتها قطر الزواج .. )
ومن هذا كثير…
حقيقة …قسوة بالغة تعانيها البنات من هذا التنمر الوقح ، وأكثره قسوة حين يأتي من نبع الرحمة والحنان : الأم
ياسادة : من التخلف الإنساني أن نعتقد بأن الله تعالى لم يخلق الإناث إلا للزواج والإنجاب فقط ، فقد لايقدر الله لأنثى الزواح والأمومة لمهمة أخرى أعظم تنتظرها ، أو لأنها بطبيعتها لاتحتمل هذا النوع من العبء ، وكم من نساء لم يتزوجن ولكنهن ملأن الدنيا نفعا ، وكن أمهات لمن لايحصون من البنين والبنات..
ولاأجد هنا أبلغ من التذكرة بقوله تعالى " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير مااكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا "
والبهتان في اللغة : أبشع أنواع الظلم والافتراء حتى إنه - كما يقول اللغويون - يدهش ويحير من شدة بشاعته وافترائه
، والإثم : الذنب ، ووصفه بالمبين لتبجح صاحبه بإظهاره وعدم إخفائه .
ومعلوم ان من يتبجح بالأذى والإثم عقابه عند الله مضاعف ، ولايزال الإنسان في فسحة من عفو الله مادام مستترا بذنبه .