كنب الشيخ محمد أبو زهرة عن الأئمة الأربعة مضافا إليهم الأئمة : جعفر الصادق وزيد بن علي و ابن حزم وابن تيمية ، مكتبة متنقلة تغني عن عشرات الكتب ، ولاتغني عنها عشرات الكتب ، بل إنني أزعم أن العكوف علي هذه الكتب للدراسة الواعية يكفي لصنع أصولي فقيه راسخ ، صاحب منهج ورؤية .
وأنت تقرأ للشيخ أبى زهرة تشعر أنك تتنقل بين أصناف من المعرفة ، لحرص الشيخ على أن لايختصر لك الإمام الذي يقدمه لك فقط في آرائه الفقهية الاجتهادية التي جادت بها قريحته بعد تأمل ونظر في النصوص ، كلا لقد حرص الشيخ على أن يطلعك على ماوراء تكوين كل إمام من عوامل بيئية ، وسمات شخصية ، ومدارس علمية ، وأحوال العصر وثقافته وماأحاط به من ظروف سياسية ، وكذا تنقلات الإمام ورحلاته وتلاميذه وخصومه ومحنته ... أنت أمام إبداع أصولي فقهي ثقافي معرفي حضاري ، كتب بريشة إمام أصولي فقيه مبدع هو الشيخ محمدأبو زهرة رحمه الله ورضي عنه .
وأتشرف بانتسابي إلى مدرسته عن طريق تلميذه ووارث علمه وعلم المدرسة الزهراوية كلها : أستاذي الشيخ محمد بلتاجي حسن رحمه الله ورضي عنه.
في كتب الشيخ أبى زهرة عن الأئمة بالإضافة إلى ماذكرت تحليلا ت علمية ومعرفية عميقة جدااا ، فلا يكاد الشيخ ينقل لقارئه معلومة ثم يتركها تمر دون أن يقف أمامها متأملا محللا محاورا مناقشا مستنتجا ، ثم يعطيك الخلاصة ، وفي هذه الخلاصة التي هي في عدة أسطر تشعر أنك طوفت آفاق الممالك العلمية ، وحزت النفائس ووقفت على العلل والأمراض التي حالت دون الاجتهاد والتجديد ، وتبصرت المستقبل ، ووضعت خطاك فيه بأقدام ثابتة ، لأنك حين تقف على العلل التي حجزت بينك وبين الترقي في المعرفة ، حتما ستكون قد أبصرت الطريق إلى التجديد من أوضح مسالكه .
في كتابه عن الإمام الشافعي يحلل بعمق كيف مر فقه الإمام رحمه الله بثلاثة أدوار: دور النمو تحت الاجتهاد ودور النمو تحت التخريج ، يعني تخريج الفروع على أصول الإمام ، ثم دور الجمود أو التقليد ، ثم يقول عن هذا الدور الأخير نصا " في هذا الدور جمد العلماء على المنقول لايتجاوزونه ، وامتنعوا عن التصرف ، وصاروا عبيد الكتب ، يرجحون ماترجح ، وليس لهم فكر إلا في استخراج العلم من بين دفاتها ، وبذلك قامت المحاجزات بين الفقه الشافعي وبين الأصول التي قام عليها ، وبينه وبين البيئات التي يعيش فيها ، فقد صار الفقيه فيه هو من يعرف الفروع المدونة المصححة ، لامن يبني على أصوله ، كما بنى من سبقوه ، وأصبح لايعالج الحوادث التي تقع بالتخريج الحر فيستنبط لها من الأحكام مايناسب حالها ، ويلائم شئونها غير خارج عن أصول المذهب ، بل يأخذ أحكامها من الفروع المدونة ، وإن كان لحال غير حالها ، وفي مجتمع غير مجتمعها " .
وأستأذنكم التوقف بعمق أمام هذه الجملة الأخيرة ، وقولوا لي بربكم ألم تختصر هذه الجملة ماقامت لأجله عشرات المؤتمرات في شتى ربوع العالم الإسلامي وعلى مدار العشرين عاما الماضية ، تلتمس الحل لمشكلة الجمود الفقهي ومانتج عنه من إنتاج أحكام مغتربة عن الزمان والمكان والإنسان، وفي كل مؤتمر نخرج بكم من التوصيات نلتمس من خلالها الحلول لهذه المشكلة ، فإذا بها حبر على ورق لعدم قابلية أكثرها للتطبيق الفعلي ؟ أعرفتم مامشكلتنا الحقيقية ؟ لله الأمر من قبل ومن بعد .
وأخيرا أقول لمن لم يقرأ للشيخ أبي زهرة : حاول أن تتدارك مافاتك ، لأنه علم بوزن الجبال الرواسي .