عُدتِ هذه المرّةَ لا نِيَّةَ عندكِ غيرُ الاستقرار، سَئِمْتِ التنقُّل، زَهِدْتِ التّجارِب، ومَلَلْتِ كلَّ الأماكن.
تُرِيدِينَ فقط موطنًا يسعُ التائهينَ فيكِ، ويَرُمِّمُ المُهترئةَ أجنحتَهم داخلَ فُؤادِكِ الهائِمِ في خيالاتٍ أبعدَ ما تكونُ للخيالِ مِن حقيقة.
تُرِيدِينَ رحلةً تُساعِدُكِ على التّجاوُز، لا تَبحَثِينَ أبدًا عن النّسيان.
الآن عَرَفْتِ أن لا أحدَ يَنسى ما زُرِعَ في جوفِهِ ونُقِشَ على جدرانِ قلبِهِ بالألَمِ العريض!
تَنْظُرِينَ للغدِ بصدرٍ رحبٍ، لكنّه تعب، وتَقولِينَ: بعدَ خمسةِ أعوامٍ مِن اللحظة، سأكونُ هناك، حيثُ أنا؛ لا اضطراب، لا قلق عام، لا غُربَة، ولا حيرة في كلِّ أمرِكِ.
حيثُ الأمان، ولا شيء غيره. وتَتخيَّلِينَ كيف هو ذلك الشعور؟ ماذا يُشبه؟ وما دلالاتُه؟
هل سيتوقّفُ قلبُكِ عن الهلعِ كلَّ ساعةٍ دونَ سببٍ وجيه؟
هل معناه أن لا تَقلقي إن تأخَّرَ أوردر طعامِكِ الذي طَلَبْتِيه تَلبيةً لاكتئابِكِ؟
أو أن تَثقي في الناسِ دونَ أن تَتَحَسَّسِي قلبَكِ وتَفْرُكِي أصابعَكِ بحضرتِهم؟
هل هو أن تَكونِي بين يدي حبيبِكِ الذي ظَنَنْتِيهِ هارِبًا، وأن تَنالِي من ضمّتِه ما يُرضِيكِ ويُهدِّئُ رَجْفَةَ قلبِكِ، دونَ خوفٍ، ودونَ شكٍّ في حقيقةِ حبِّهِ؟
أم أنّ الأمانَ أن لا تُغادِرِي، وكلُّ ما فيكِ يَرجُو بقاءً!
حتى الآن لم تَجِدِي تعريفًا مُختصرًا لأمانِكِ، لأنّكِ تُحِبِّينَ الاستفاضةَ والشرح، وكلُّ ما حولكِ يَبخَلُ عليكِ بثَمَّةِ توضيح.
لكنّكِ لا تُبَالِينَ، وتَمشِينَ.. ثقةً أنَّ المعنى في خُطوتِكِ، إن لم يَكُن في الحركةِ وصولٌ، فهناكَ رحلةٌ وحكايةٌ ستُقَصِّينَها على أحدٍ مُستقبلًا.
وتَستمرِّين بالمشي، وتَعرِفِينَ أنَّ ما عندَ الناسِ بَخْس، وما عندَهُ أبقى، وتَنتَظِرِينَ عطايا الباقي، ويُعطيكِ.
رُبَّما بعد خمسةِ أشهرٍ أو خمسِ سنوات، تَجْتَمِعِينَ بكلِّ ما أردتِ،
رُبَّما تَجِدِينَ ثمنًا لتآكُلِ قَدَمَيْكِ في أراضيه، بحثًا عنكِ، وعن المعنى.






































