أخبرني الطبيب أن الكتابة ستجدي نفعاً، كلما استطعت البوح كلما قارَب قارِب شفائي بالقدوم.
يمكنني أن أسرد الحدث، أما الألم والفجيعة، الفرحة والنصر يظلوا حبيسين نفسي.
في الخامسة كنت فتاة عادية بضفيرتين وحذاء وردي، احمل حقيبتي وحقيبة أخي ويحمي هو ظهري حين الذهاب مفردين لروضتنا.
في العاشرة من عمري كنت مادة تنمر فتاة سمراء بدينة تثير الضحك ، أكتفي باللعن سراً وأكمل بينهم ضحكاً، لأن الفتيات المؤدبات لايلعنن ظرفاً ولاشخصاً وإن كان الألم يفعل فيهن فعلته.
في الرابعة عشرة كتبت أول قصيدة لأبي، لم أفهم بعض كلماتها ولم يفهم هو البعض الأخر.
لكني شعرت وقتها أن هناك فراشات في صدري تتغنى بأبيات قصيدتي.
في الخامسة عشر، رسبت في أول عام دراسي بسبب مادة (س) كان قانوناً قاسياً بعض الشئ، أن أرسب لأن عقلي لايستوعب شيئا من مادة..
كانوا يتشفقون وأنا أتألم، بيدَ أني في قرارة نفسي أثق أنه فشلاً عادياً، في قرارة نفسي أشعر أنني امرأة عظيمة.
أستطيع المواساة والطهي واحتضان اخوتي وترميم ندوبي بمفردي، ندوبي المبكرة التي لايعرفونها.
اعتدت فكرة انني ناقصة، شيئاً في يسعى لأن يخفي نقصهُ أنا لاأعلم ماعيب النقص كوننا بشر لكنها حبكة القصة.
كان يجب عليً أحياناً أن أكن شبيهة فلانة وأحياناً اخر أن أكن أفضل منها، كيف أكن وهي بالفعل أفضل كما يروجون!
هاته رسالات طفولتي.
لايعرف المرء أن يسير خفيفاً وصدره مثقل بأعباء حُملت عليه عنوة إما فرضاً وإما حيلة.
في الثامنة عشرة كانت ثانويتي، طوال النهار أدرس ومساء أفعل واجبي المنزلي، كنت أكره النهار والشارع والناس وكل عين تقع عليَ كنت على يقين أنها تفترس جوانبي معايرة وضحك.
اعتدت الضحك علانية وانهياري سراً لايطلع عليه غير الله وحوائط غرفتي، هكذا مضت السنون..
هذا مايبوحون به؟ هذا مايفعلونه ليتم الشفاء!
في التاسعة عشر انتهت الثانوية وحصلت على مجموع جيد جداً، لكنه لم يكن جيداً كفاية لتحقيق رغبة أمي ومسعى أبي، فشلاً جديداً لم يكن ليقضي على محاربتي ، لكنه قضى على أمل انني ربما يوما أنصفهم وأُنصف نفسي.
التحقت بالكلية المقدرة، كنت أكرهها، وأكره حرمها كُله فيها كنت أعاين عجزي وقلة حيلتي وتتضح وحدتي وفشلي الإجتماعي.
حينها عرفته، أخبرني أنني عظيمة استحق حباً غير مشروط وفي نفسه يرتب شروطه التي سيرغمني عليها ، لم أكن أصدقه فا طوال التسعة عشر عاماً أحبني الجيران وأهلي واصدقائي لسبب، من هو ليفعل دونه!
كان حباً قلِقاً لا ، عشوائياً لا اتزان فيه ولا وِجهة، كان مراهقةً متأخرة فيها خسرت مالم اخسره في مراهقتي الحقة.
أشعر أنني أخف بعد كتابة ذلك، لكن لا لست بخير.
في العشرين؛ كانت سنتي تلك فارغة لاحدث مهم ولاخطب جلل سنة مرت دون حتى أن أراها.
في الواحد والعشرين حاولت أن أُصلح شروخ العشرين كلها، أصلحت ما استطعت وصنعت أخرين.
نجحت بعض الشئ وسعت دائرتي ورضيتُ عني وعودت أجنحتي أن تطير في الضباب وعدمه سواء.
عرفت أخيراً شاعراًكان حديثاً عادياً لم نتكلم في اهتمامنا بالكتابة أو ندوبنا التي بسببها عرفنا الكتابة لكنه كان هو، هو بالحرف على مقياس شعوري كلما ذكر حرفاً وقعت فيه أكثر. لم يكن على ضفتي كان على ضفة أخرى.. لم أطلب منه أن ينتقل عندي لكن قلبي كان يرغب.
في النهاية الأشياء اما تتفق من البداية أو لا تتفق وأنا ظننتُ أن الإختلاف ليس بالمعضلة، ظن فاسد..
أشيائي التي اختلفت معي أفسدتني وأفسدت قدرتي على الحياة
تحصل على رسائل ليست لك ومن ثم تعيش عمرك كله تتصرف بإسمها.
كنت كلما فكرتُ بالرفض حين طفولتي كذبت فكرة أنه ربما تقبلني الأشياء و رُفصت حاضراً، وربما يحدث مستقبلاً لاأعلم.
لكن؛
الآن أشعر أنني أخف
أشعر أنني أحيا
وأشعر أنني أتألم قليلاً بصحبة خفتي وحياتي.