هناك فرق كبير بين أن يفتح الإنسان صندوق تحويشة عمره فيجد داخله ذهبًا وألماسًا وأشياء نفيسة، وبين أن يفتحه فلا يرى سوى أوراقٍ مهملة، وبلاستيك، وزجاجٍ مكسور، وتراب.
وحياتنا، في جوهرها، لا تختلف كثيرًا عن هذا الصندوق.
كل يوم يمر نضع فيه شيئًا ما داخل صندوق العمر؛ اهتمامًا نمنحه، قرارًا نتخذه، علاقة نتمسك بها، موقفًا نختاره، أو وقتًا نستثمره في علم أو عمل أو تجربة جديدة. ومع تراكم الأيام، تتشكّل قيمة ما خبّأناه، لا بعدد السنوات، بل بما حملته من وعي واختيار.
بعض الناس يدركون مبكرًا أن العمر مسؤولية، فيجتهدون أن يملأوه بما يستحق. يختارون طرقهم بعناية، ويضعون قلوبهم حيث يُقدَّر العطاء، فيغدو صندوق حياتهم عامرًا بالمعنى والإنجاز.
وفي المقابل، هناك من يُنهكه السعي في الاتجاه الخاطئ؛ فينفق عمره في علاقات مستنزِفة، وسباقات لا تشبهه، واختيارات لا تضيف إلى روحه شيئًا، فيمتلئ الصندوق بما يشبه الفوضى أكثر مما يشبه القيمة.
غير أن الجانب المضيء في هذه الرحلة أن صندوق العمر ليس مغلقًا بإحكام.
دائمًا هناك فرصة للمراجعة والترتيب.
أن نفرز ما فقد قيمته، وأن نعيد النظر فيمن يستحق البقاء في حياتنا، وأن نوقف النزيف حيث يجب، ونمنح وقتنا وطاقتنا لما ينمّي أرواحنا ويمنحنا سلامًا حقيقيًا.
في نهاية المشوار، يتمنى كل إنسان أن يفتح صندوق عمره مطمئن القلب؛
أن يجد أشخاصًا حقيقيين كانوا سندًا،
وأعمالًا أُنجزت بإخلاص،
وقرارات اتُّخذت عن وعي فقادته إلى طريق واضح،
وذكريات جميلة تترك في داخله شعور الرضا والفخر.
فالعمر لا يُقاس بطوله، بل بما نختار أن نضعه فيه.
وما دام في الحياة متّسع، فإن فرصة الترتيب والاختيار الأفضل تظل دائمًا ممكنة.






































