لسنا جميعًا متشابهين، ولا نمرّ بالحياة بالطريقة ذاتها، حتى وإن تشابهت الظروف من الخارج. ما يوجع إنسانًا قد يبدو بسيطًا في نظر غيره، وما يترك أثرًا عميقًا في قلب شخص، قد يمرّ على آخرين بلا أثر. لكن الحقيقة التي يجب ألا نغفل عنها، أن الألم النفسي لا يُقاس بالقوة الظاهرة، ولا يُختزل في مقارنات سريعة.
الأوجاع النفسية ليست ضعفًا، بل استجابة إنسانية طبيعية لتجارب قاسية، لخسارات لم تُعلن، ولمعارك دارت في الخفاء. هناك جروح لا تُرى بالعين، لكنها تنزف في الداخل كل يوم، وتُرهق الروح حتى وإن بدا صاحبها متماسكًا أمام الجميع.
احترام ألم الآخرين لا يعني أن تفهمه بالكامل، ولا أن تعيش التجربة نفسها، بل أن تعترف بحقيقة مشاعرهم. أن تُدرك أن ما يشعر به الآخر حقيقي، حتى وإن لم يكن منطقيًا بالنسبة لك. المشكلة ليست في اختلاف قدرتنا على التحمّل، بل في الاستعلاء العاطفي حين نقيس وجع غيرنا على قوتنا الشخصية.
القوة نفسها مفهوم نسبي. من يبدو قويًا اليوم، ربما كان هشًا بالأمس، ومن تراه ضعيفًا الآن، قد يكون قد خاض معارك نفسية لو مررت بها أنت، لما خرجت منها سالمًا. نحن لا نعرف التفاصيل الخفية في حياة الناس، ولا الليالي الطويلة التي قضوها في الصمت، ولا عدد المرات التي تظاهروا فيها بالتماسك بينما كانوا ينهارون من الداخل.
كثير من الكلمات المؤذية لا تُقال بدافع القسوة، بل بدافع الجهل. جهل بطبيعة النفس البشرية، وبأن المقارنة في المشاعر ظلم. حين تقول لشخص متألم: «استحمل» أو «كبر دماغك» أو «في غيرك أشد منك»، فأنت لا تُخفف عنه، بل تُشعره بأن ألمه غير معترف به، وكأن مشاعره عبء يجب إخفاؤه.
الإنسان لا يحتاج دائمًا إلى حلول، بقدر ما يحتاج إلى احتواء. إلى شخص يُنصت دون أحكام، ويمنحه شعورًا بالأمان. أحيانًا، كلمة صادقة مثل: «أنا حاسس بيك»، تكون أقوى من ألف نصيحة، وقد تنقذ شخصًا من الغرق في وحدته.
احترام أوجاع الناس يعني أن نتوقّف عن لعب دور القاضي، وأن نتعلّم الإصغاء أكثر من الكلام. يعني أن نمنح الآخرين حقهم في الشعور، دون تقليل أو سخرية أو مقارنة. فالتعافي ليس سباقًا، ولكل إنسان وتيرته الخاصة في الشفاء.
وفي النهاية، الرحمة ليست ضعفًا، بل وعي وإنسانية. والإنسان القوي حقًا، هو من لا يستخدم قوته ليُشعر غيره بالنقص، بل ليُخفف عنه ثِقل الطريق.
قبل أن تحكم…
تذكّر أن لكل قلب وجعًا لا يُرى.







































