لم يكن القلم اختيارًا
لم يدخل القلم حياتي من باب الرغبة، بل تسلّل من شقٍّ خفيّ، كالماء حين يجد طريقه في الصخر. لم أقل يومًا: سأكتب، بل وجدتني أكتب، كما يتنفّس المرء بعد غرقٍ طويل. كان القلم هناك قبل القرار، قبل الوعي، قبل أن تُسمّى الأشياء بأسمائها.
في داخلي صمتٌ ليس عجزًا، بل معرفة مؤجَّلة. حين أتكلم أفعل ذلك على مهل، وحين أكتب كأنني أزيح ستارًا عن غرفةٍ ظلّت مغلقة زمنًا، تتكدّس فيها أوراق قديمة ورائحة انتظار. الكتابة عندي ليست زينة لغوية، بل أثر نجاة، محاولة متكررة لترتيب فوضى لا تُرى.
لم أحب الضجيج، فاخترت الصفحة.
ولم أمِل إلى الشرح، فمالت كلماتي إلى الرمز.
لم تكن الكلمات تُستدعى لملء الفراغ، بل لتضعه أمامي كما هو، بلا مواربة.
القلم لم يمنحني صوتًا بقدر ما منحني احتمالًا: أن أفهم، أن أحتمل، أن أُبقي المعنى حيًا حين يخون الواقع وعوده. أكتب لا لأقول: أنا هنا، بل لأقول: ما يحدث مفهوم… أو هكذا أحاول ألا أنهار.
في هذا البورتريه، لا أقف ككاتبة تستعرض أدواتها، بل كإنسانة على الحافة، تمسك القلم كما يُمسك الغريق بخشبة، وأصابعه لا تبحث عن النجاة الكاملة، بل عن تأجيل الغرق. لذلك تأتي نصوصي هادئة، لكنها مشبعة، لا تصرخ، لكنها تترك أثرًا يشبه الندبة.
لم يكن القلم اختيارًا؛
كان طريقةً أقل إيلامًا للعيش.
وكانت الكتابة وطنًا مؤقتًا،
كلما ضاق الخارج، اتّسع الداخل.
أنا لا أكتب لأُعرَف،
أكتب كي لا أضيع.







































