عبد الملك بن مروان، أول من سُمي بعبد الملك في الإسلام، ثاني خلفاء دولة بني مروان الأموية، وُليَ الخلافة بعد أبيه مروان بن الحكم، واستمرت خلافته عشرين عامًا، وهو أبو الخلفاء (الوليد، سليمان، يزيد، هشام).
وهو صاحب الأفضال التي لا تُنكر؛ ففي أيامه نُقلت الدواوين من الفارسية والرومية إلى العربية، وضُبطت الحروف بالنقط والحركات.
وهو أول من صك الدنانير في الإسلام، وأول من نقش بالعربية على الدارهم، ناهيك عن الفتوحات الواسعة في عصره.
والحديثُ عن فضل عبد الملك بن مروان ودوره في توحيد صف الأمة الإسلامية، وترسيخ دولتها، والقضاء على الثورات والفتن حديث يطول، وفيه كلام كثير، لا سبيل له في هذا البحث المحدود بعنوانه، لكننا نُوثر الحديث هنا عن الجانب العلمي في حياة الخليفة عبد الملك بن مروان فقط.!!
نعم، ولا تستغرب عندما تعلم أن هذا الخليفة السياسي العبقري القائد في الحرب والسِلم، كان من أعاظم علماء عصره، فقهًا وحديثًا وشعرًا وأدبًا، ولولا الخلافة بتدابيرها وأشغالها لكان له شأن آخر بين علماء الإسلام المتبوعين.
وحجتنا في ذلك ما شهد به العلماء الآكابر له، أمثال: الإمام عامر الشعبي الذي كان يقول: «ما جالستُ أحدًا إلا وجدتُ لي الفضل عليه، إلَّا عبد الملك بن مروان، فإني ما ذاكرته حديثًا إلا زادني فيه، ولا شعرًا إلا زادني فيه».
ولما قيل لسيدنا عبد الله بن عمر: «مَن نسألُ بعدكم، فقال: إن لمروان ابنًا فقيهًا فسلوه». يقصد عبد الملك.
وقال نافع مولى ابن عمر: «لقد رأيتُ المدينةَ وما فيها شابٌ أشد تشميرًا، ولا أفقه ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان».
وقال الأعمش عن أبي الزناد: «كان فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب، وعروة، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان».
ونقل الحافظ ابن عساكر عن الأصمعي إشادةً من الحسن البصري بخُطبةٍ ألقاها عبد الملك بن مروان، فقال عنها: «لو كان كلام يُكتب بماء الذهب لكان هذا الكلام».
ويقول ابن كثير: «وقد كان عبد الملك من العباد الزهاد الفقهاء، الملازمين للمسجد، التالين للقرآن ...».
ويصفه الزركلي بأنه كان: «فقيها واسع العلم».
ولعل أيضًا من أعظم الدلالات على سموّ مكانته الفقهية أن الإمام مالك بن أنس أورد في الموطأ عددًا من آرائه الفقهية بجانب فتاوى كبار الصحابة والتابعين.
كذلك مما يذكر في الجوانب العلمية لشخصية عبد الملك بن مروان أنه كان مُحدِّثًا، من أهل الرواية والدراية؛ إذ روى الحديثَ عن أبيه، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وابن عمر، ومعاوية، وأم سلمة، وبريرة مولاة عائشة.
ثم روى عنه جماعة منهم: خالد بن معدان، وعروة، والزهري، وعمرو بن الحارث، ورجاء بن حيوة، وجرير بن عثمان.
وهكذا نرى أن عبد الملك بن مروان قد جمع بين الخلافة وإدارة الدولة وسياسة الحكم وبين العلم والفقه والحديث والمعرفة، وهذا هو ما نريده في كُل مَن يتقدم لحمل مسئولية الأمة في أي موقع من المواقع، أن يكون على علم وفقه ودين . . . عندئذ ربما نسترجع حضارتنا ومجدنا الذي كنَّا عليه أيام عبد الملك بن مروان.







































